ومما يدل أيضا على إبطال قولهم بفعل الطبائع علمنا بوجوب وجود كل معلول بعلة كلما وجدت وتكررت وكلما وجد مثلها ووجوب كثرة المسببات عند كثرة أسبابها على قول من أثبت السبب والمسبب. ألا ترى إلى وجوب كون العالم عالما بالشيء والمريد مريدا له كلما تكررت له الإرادة والعلم له وجد به أمثالها في كل وقت زمان ولم يجز أن توجد به علة الحكم في بعض الأماكن والأزمان ولا يوجد الحكم وكذلك يجب عند القائلين بتولد الألم عن الضرب وذهاب الجسم عند الدفعة أن يكثرا عند كثرة أسبابهما ويشتدا عند كثرة الضرب والاعتماد والدفع.
وكذلك يجب لو كان الإسكار والشبع والري ونماء الزرع حادثا عن طبع الشراب والطعام والسقي والتسميد وحمى الشمس لوجب أن تزداد هذه الأمور ما كانت الأجسام محتملة لها عند وجود أمثال ما أوجب ذلك وتناوله فكان يجب أن يزيد الزرع وينمي وإن بلغ حد النهاية في مستقر العادة إذا أديم سقيه وأكثر تسميده وإظهاره للشمس حتى يزيد أبدا وينمي وأن توجب له هذه الأمور الزيادة في غير إبان الزرع وحينه كما توجب ذلك في وقت عادة خروجه وفي علمنا أن السقي والتسميد يعود بتلفه إذا بلغ مقدارا ما وأنه لا يوجب له في ذلك غير حين نمائه دليل على سقوط ما قالوه وكذلك فلو أن الإنسان أكل وشرب فوق شبعه لم يحدث له أبدا من الشبع والري ما يحدث عند الحاجة إلى تناول الطعام والشراب بل يصير ذلك ضررا وألما وإذا كان هذا هكذا وجب بطلان ما قالوه وفسد أن تكون الطبائع