ومما يدل أيضا على فساد ما يذهبون إليه من إثبات فعل الطبائع أنه لو كان الإسكار والإحراق والتبريد والتسخين والشبع والري وغير ذلك من الأمور الحادثة واقعة عن طبيعة من الطبائع لكان ذلك الطبع لا يخلو من أن يكون هو نفس الجسم المطبوع أو معنى سواه فإن كان هو نفس الجسم وجب أن يكون تناول سائر الأجسام يوجب حدوث الإسكار والشبع والري ومجاورة كل جسم يوجب التبريد والتسخين لقيام الدليل على أن الأجسام كلها من جنس واحد وقد علم أن الشيء إذا أوجب أمرا ما وأثر تأثيرا ما وجب أن يكون ما هو مثله وما جانسه موجبا لمثل حكمه وتأثيره كالسوادين الموجودين بالمحل والحركتين في الجهة الواحدة وما جرى مجراها من الأجناس وفي العلم باختلاف ما يحدث عند تناول هذه الأجسام دليل على أنه لا يجوز أن يكون الموجب لشيء منه بعض الأجسام الذي هو مجانس لسائرها وأن الشبع والري والإسكار لو وجبت عن تناول الطعام والشراب لوجب حدوث ذلك عند تناول الحصى والتراب والفث والحنظل وأن يحدث الري والإسكار عند شرب الخل والبلسان وسائر المائعات والجامدات أيضا لأنها من جنس الطعام والشراب.
وإن كان ذلك الطبع الذي يومئون إليه عرضا من الأعراض فسد إثباته فاعلا من وجوه:
أحدها أن الأعراض لا يجوز أن تكون فاعلة كما لا يجوز أن تفعل الأفعال الألوان والأكوان وغيرهما من أجناس الأعراض وكما لا يجوز أن