قيل له الدليل على ذلك من جهة العقول أنه تعالى قادر على جميع الأجناس التي يكتسبها العباد فإذا ثبت من قولنا جميعا أنه قادر على فعل مثل ما يكتسبه العباد على الوجه الذي يوجد عليه كسبهم وجب أنه قادر على نفس كسبهم. لأنه لو لم يقدر عليه مع قدرته على مثله لوجب عجزه عنه واستحالة قدرته على مثله. فثبت بذلك أن أفعال الخلق مقدورة له فإذا وجدت كانت أفعالا له. لأن القادر على الفعل إنما يكون فاعلا له إذا حصل مقدوره موجودا وليس يحصل المقدور مفعولا إلا لخروجه إلى الوجود فقط. فدل ما قلناه على خلق الأفعال.
ومما يدل أيضا على خلق أعمال العباد علمنا بوقوعها على أحكام وأوصاف وحقائق لا يعلمها العباد من نحو كونها أعراضا وأجناسا مختلفة وأدلة على ما هي أدلة عليه وموجودة على صفة دون صفة مع العلم بجحد كثير منهم للأعراض وإنكار الأدلة عليها والجهل بحقائق ما وقعت عليه الأفعال والصفات التي هي عليها. وليس يجوز أن يخلقها على الحقائق والأحكام والأوصاف التي قدمنا ذكرها الساهي عنها والجاهل بحقائقها ومن ليس بقاصد إلى إيجادها. لأن ذلك لو جاز لجاز وقوع جميع المخلوقات من فاعل هذه سبيله ولاستغنى جميعها عن أن يكون فاعلها عالما قاصدا كما أنه لو جاز وقوع بعضها من غير فاعل لجاز ذلك في جميعها. وهذا يوجب بطلان دلالة شيء من الخلق على علم فاعله وقصده تعالى عن ذلك فثبت أن الخالق لضروب الأفعال هو الله العالم بحقائقها والقاصد إلى إيجادها.