مع وجود القدرة عليها كما أنه لا دليل يوجب أن لا يفعل العبد المباشرات من مقدوراته في نفسه إلا بأسباب تتولد عنها وكما أنه لا دليل أيضا يوجب أن لا يفعل القديم ما قدر عليه إلا بأسباب تولده وتوجبه. وهذا يبطل كونها متولدة ويدخلها في معنى المباشرة من الأفعال.
والوجه الآخر أنه لو كان الفاعل لهذه الأسباب قادرا عليها بقدرة تقارنها لصح أيضا أن يقدر على أضدادها بدلا من القدرة عليها بقدرة تقارنها. فكان يجب أن تصح قدرة العبد على تسكين الحجر والسهم وحبسهما متى لم يكن قادرا على تحريكهما وأن لا يصح خلوه من فعل الحركة والسكون في جسم غيره إذا لم يكن ميتا ولا عاجزا لأن من صحت قدرته على الشيء وقدرته على ضده لم ينفك من القدرتين جميعا على الضدين إلا بالعجز عنهما أو بالموت المخرج للميت عن صحة كونه قادرا على شيء أصلا. وفي العلم بأن العبد قد يخلو من القدرة على تحريك جسم غيره وتسكينه مع كونه حيا سليما غير عاجز ولا مؤوف دلالة على فساد هذا القول. وعلى أنه لو صح أن يقدر العبد على تحريك ما قرب منه من الأجسام وعلى تسكينه بغير سبب لصح أن يقدر على تحريك الجسم وتسكينه بغير سبب إذا كان هو بمدينة السلام والجسم بأقصى تخوم خراسان. ولو صحت قدرته على ذلك لصحت قدرته على ذلك في سائر الأجسام ولم يكن بعضها أولى من بعض. وفي فساد ذلك دليل على سقوط هذا القول.