قيل لهم هذا باطل لأن الإنسان لا يقدر على الفعل إلا في حال وجوده فلا يجوز أن يتركه في حال قد وجد فيها. ولا يجوز أيضا أن يتركه الله في تلك الحال لأنه هو الموجد لعينه دون العبد الذي يكسبه فلو تركه لم يكن موجودا.
فإن قالوا الدليل على أن أفعالنا خلق لنا كونها واقعة بحسب قصودنا وإرادتنا وامتناعنا منها إذا شئنا.
قيل لهم ما أنكرتم أن يكون الله هو الخالق لها والخالق لقصودكم إليها وهو التارك لخلقها في حال انصرافكم عنها وإعراضكم عن القصد إلى اكتسابها فلا يجدون في ذلك متعلقا.
فإن قالوا الدليل على أنه لا يجوز أن تكون أفعالنا خلقا لله تعالى أنه لو كان هو الخالق لها لم يصح أمره بها ونهيه عن بعضها وإثابته على الحسن الجميل منها وعقابه على القبيح من جملتها.
قيل لهم لم قلتم ذلك فلا يجدون في ذلك وجها.
ثم يقال لهم ما أنكرتم أن لا يكون الله تعالى آمرا لأحد من خلقه بخلق شيء من الأفعال ولا ناهيا له عن ذلك ولا مثيبا لأحد على أن خلق شيئا ولا معاقبا له على ذلك لأن الخلق مستحيل من العبد وأن يكون إنما أمر باكتساب ما خلقه ونهى عن ذلك وأثاب وعاقب وذم ومدح ووعد وتوعد على أن اكتسب العبد ما نهى عنه وأمر به فقط بل ما أنكرتم أن يكون إنما جعل هذه الأفعال علما على إثابة من أحب إثابته وعقاب من أحب عقابه فقط؟.