مباحا فيه فليس الكلام معكم في نبوة قوم بأعيانهم فإن الكلام في ذلك جار بين أهل الملل والمجوزين لإرسال الله تعالى الرسل وأنتم تحيلون أن يرسل الله رسولا أصلا فلا معنى للكلام في تعيين رسالة فلان دون فلان فإنه خروج عن الكلام وعجز وانتقال من باب إلى باب.
ثم يقال لهم ما أنكرتم أن يكون جميع ما ادعيتم حظره في العقل غير محظور فيه ولا مباح أيضا وأن الحظر والإباحة إنما هما ورود القول المبين عن مالك الأعيان بإباحة ما أباحه وحظر ما حظره فلم قلتم إن في العقل إباحة وحظرا؟
ثم يقال لهم ما أنكرتم أن يكون العقل قاضيا على أن لخالق الأعيان ومالك الذوات أن يتلفها ويؤلمها وأن يبيح ذلك فيها وأن يبتدئها باللذات بدلا من الآلام وبالآلآم بدلا من اللذات لأنه لا مالك فوقه ولا زاجر يجدد له فلا يجدون إلى دفع ذلك سبيلا.
فإن قالوا فما الدليل على أن الله سبحانه ابتدأ الحيوان بالآلام من غير عوض ولا جرم قيل لهم الدليل على ذلك اتفاقنا وسائر أهل التوحيد وأهل الملل على أن لله تعالى متفضل على الحيوان بالنعم واللذات التي يبتدئهم بها وأنه مستوجب للحمد والشكر على ذلك وإذا كان هذا هكذا وكان للمتفضل فعل التفضل وله تركه على وجه ما كان له فعله وأن هذا هو الفرق بين التفضل وبين المستحق الواجب الذي يجب الظلم بتركه ثبت أن لله سبحانه أن يترك فعل اللذة في الحيوان على وجه