عما أحبه قلبه وانطوى عليه ضميره أخبارا متصلة تخرج بكثرتها عن حد ما يمكن إصابة الظان والمخمن فيه لأن المعلوم بمستقر العادة أن الحادس يصيب في الخبر والاثنين والثلاثة ولا يصيب في المائة والمائتين والألف والألفين حتى لا يغلط في واحد منها وإذا كان ذلك كذلك كان الله تعالى متى أراد إعلام من يتولى خطابه أنه المتولي لكلامه ضمن خطابه الإخبار عن الغيوب وما أسرته النفوس فيعلم المخاطب عند ذلك أن المتولي لكلامه هو علام الغيوب لتقدم علمه بأن الإخبار عن ذلك والإصابة له في جميعه متعذر على المخلوقين وأن المنفرد بهذا هو الله رب العالمين وهذا طريق للعلم بصحة الرسالة عن الله واضح لا إشكال فيه.
وقد يمكن أن يعلم الله سبحانه الرسول أنه المتولي لخطابه بأن يقول أنا الله الذي لا إله إلا أنا وآية ذلك أني أقلب الجماد حيوانا وأخرج يدك بيضاء وأفلق البحر وأخرج الحيوان من الصخر فيعلم الرسول أن المتولي لخطابه هو محدث الآيات ومبدع المعجزات لتقدم علمه بأن الخلق لا قدرة لهم على ذلك.
وليس يجوز أن يحمل الله الرسالة لبعض أنبيائه وهو مع ذلك ممن لم يتقدم علمه بأن أحدا من المخلوقين لا يستطيع الإخبار عن الغيوب والإصابة فيها ولا يقدر على إبداع الأجسام وإحياء الموات وخرق العادات بل لا يرسل إلا أكمل الخلق علما به ومعرفة له وإذا كان ذلك كذلك سقط ما توهمتم.