وجرأتهم عليه واغترارهم بحلمه، لو أنزلت عليهم الكتاب الذي سألوك أن تنزله عليهم، لخالفوا أمر الله كما خالفوه بعد إحياء الله أوائلهم من صعقتهم، فعبدوا العجل، واتخذوه إلها يعبدونه من دون خالقهم وبارئهم الذي أراهم من قدرته وعظيم سلطانه ما أراهم لأنهم لن يعدوا أن يكونوا كأوائلهم وأسلافهم. ثم قص الله من قصتهم وقصة موسى ما قص، يقول الله: فقد سألوا موسى أكبر من ذلك يعني: فقد سأل أسلاف هؤلاء اليهود وأوائلهم موسى عليه السلام أعظم مما سألوك من تنزيل كتاب عليهم من السماء فقالوا له أرنا الله جهرة: أي عيانا نعاينه وننظر إليه. وقد أتينا على معنى الجهرة بما في ذلك من الرواية والشواهد على صحة ما قلنا في معناه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقد ذكر عن ابن عباس أنه كان يقول في ذلك بما:
حدثني به الحرث، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا حجاج، عن هارون بن موسى، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: إنهم إذا رأوه فقد رأوه، إنما قالوا: جهرة أرنا الله قال: هو مقدم ومؤخر.
وكان ابن عباس يتأول ذلك أن سؤالهم موسى كان جهرة.
وأما قوله: فأخذتهم الصاعقة فإنه يقول: فصعقوا بظلمهم أنفسهم، وظلمهم أنفسهم كان مسألتهم موسى أن يريهم ربهم جهرة، لان ذلك مما لم يكن لهم مسألته. وقد بينا معنى الصاعقة فيما مضى باختلاف المختلفين في تأويلها والدليل على أولى ما قيل فيها بالصواب.
وأما قوله: ثم اتخذوا العجل فإنه يعني: ثم اتخذ هؤلاء الذين سألوا موسى ما سألوه من رؤية ربهم جهرة، بعد ما أحياهم الله، فبعثهم من صعقتهم، العجل الذي كان السامري نبذ فيه ما نبذ من القبضة التي قبضها من أثر فرس جبريل عليه السلام، إلها