فمن على قول ابن عباس هذا في موضع رفع، لأنه وجهه إلى أن الجهر بالسوء في معنى الدعاء، واستثنى المظلوم منه، فكان معنى الكلام على قوله: لا يحب الله أن يجهر بالسوء من القول، إلا المظلوم فلا حرج عليه في الجهر به. وهذا مذهب يراه أهل العربية خطأ في العربية، وذلك أن من لا يجوز أن يكون رفعا عندهم بالجهر، لأنها في صلة أن، وأن لم ينله الجحد فلا يجوز العطف عليه من الخطأ عندهم أن يقال: لا يعجبني أن يقوم إلا زيد. وقد يحتمل أن تكون من نصبا على تأويل قول ابن عباس، ويكون قوله:
لا يحب الله الجهر بالسوء من القول كلاما تاما، ثم قيل: إلا من ظلم فلا حرج عليه، فيكون من استثناء من الفعل، وإن لم يكن قبل الاستثناء شئ ظاهر يستثنى منه، كما قال جل ثناؤه: لست عليهم بمسيطر، إلا من تولى وكفر وكقولهم: إني لأكره الخصومة والمراء، اللهم إلا رجلا يريد الله بذلك. ولم يذكر قبله شئ من الأسماء.
ومن على قول الحسن هذا نصب على أنه مستثنى من معنى الكلام، لا من الاسم كما ذكرنا قبل في تأويل قوا ابن عباس إذا وجه من إلى النصب، وكقول القائل كان من النصب كذا وكذا اللهم إلا أن فلانا جزاه الله خيرا فعل كذا وكذا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول، إلا من ظلم فيخبر بما نيل منه. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيع، عن مجاهد، قال: هو الرجل ينزل بالرجل، فلا يحسن ضيافته، فيخرج من عنده، فيقول: أساء ضيافتي ولم يحسن.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، إلا من ظلم قال: إلا من آثر ما قيل له.
حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيع، عن مجاهد: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم قال: هو الضيف المحول رحله، فإنه يجهر لصاحبه بالسوء من القول.