وأولى التأويلات بقوله: لا تحلوا شعائر الله قول عطاء الذي ذكرناه من توجيهه معنى ذلك إلى: لا تحلوا حرمات الله، ولا تضيعوا فرائضه، لان الشعائر جمع شعيرة، والشعيرة: فعيلة من قول القائل: قد شعر فلان بهذا الامر: إذا علم به، فالشعائر: المعالم من ذلك. وإذا كان ذلك كذلك، كان معنى الكلام: لا تستحلوا أيها الذين آمنوا معالم الله، فيدخل في ذلك معالم الله كلها في مناسك الحج، من تحريم ما حرم الله إصابته فيها على المحرم، وتضييع ما نهى عن تضييعه فيها، وفيما حرم من استحلال حرمات حرمه، وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه، لان كل ذلك من معالمه وشعائره التي جعلها أمارات بين الحق والباطل، يعلم بها حلاله وحرامه وأمره ونهيه.
وإنما قلنا ذلك القول أولى بتأويل قوله تعالى: لا تحلوا شعائر الله لان الله نهى عن استحلال شعائره ومعالم حدوده، وإحلالها نهيا عاما من غير اختصاص شئ من ذلك دون شئ، فلم يجز لاحد أن يوجه معنى ذلك إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها، ولا حجة بذلك كذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: ولا الشهر الحرام.
يعني جل ثناؤه بقوله: ولا الشهر الحرام: ولا تستحلوا الشهر الحرام بقتالكم به أعداءكم من المشركين، وهو كقوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن عباس وغيره. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولا الشهر الحرام يعني: لا تستحلوا قتالا فيه.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت.
وأما الشهر الحرام الذي عناه الله بقوله: ولا الشهر الحرام فرجب مضر، وهو شهر كانت مضر تحرم فيه القتال. وقد قيل: هو في هذا الموضع ذو القعدة. ذكر من قال ذلك: