وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ما قاله ابن عباس، وأن معناه: أوفوا يا أيها الذين آمنوا بعقود الله التي أوجبها عليكم وعقدها، فيما أحل لكم وحرم عليكم، وألزمكم فرضه، وبين لكم حدوده.
وأنما قلنا ذلك أولى بالصواب من غيره من الأقوال، لان الله عز وجل أتبع ذلك البيان عما أحل لعباده وحرم عليهم وما أوجب عليهم من فرائضه، فكان معلوما بذلك أن قوله:
أوفوا بالعقود أمر منه عباده بالعمل بما ألزمهم من فرائضه وعقوده عقيب ذلك، ونهي منه لهم عن نقض ما عقده عليهم منه، مع أن قوله: أوفوا بالعقود أمر منه بالوفاء بكل عقد أذن فيه، فغير جائز أن يخص منه شئ حتى تقوم حجة بخصوص شئ منه يجب التسليم لها. فإذ كان الامر في ذلك كما وصفنا، فلا معنى لقول من وجه ذلك إلى معنى الامر بالوفاء ببعض العقود التي أمر الله بالوفاء بها دون بعض.
وأما قوله: أوفوا فإن للعرب فيه لغتين: إحداهما: أوفوا من قول القائل:
أوفيت لفلان بعهده أو في له به والأخرى من قولهم: وفيت له بعهده أفي. والايفاء بالعهد: إتمامه على ما عقد عليه من شروطه الجائزة.
القول في تأويل قوله تعالى: أحلت لكم بهيمة الأنعام.
اختلف أهل التأويل في بهيمة الأنعام التي ذكر الله عز ذكره في هذه الآية أنه أحلها لنا، فقال بعضهم: هي الانعام كلها. ذكر من قال ذلك:
حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا عبد الأعلى، عن عوف، عن الحسن، قال: بهيمة الأنعام: هي الإبل والبقر والغنم.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: أحلت لكم بهيمة الأنعام قال: الانعام كلها.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا ابن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أحلت لكم بهيمة الأنعام قال: الانعام كلها.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: أحلت لكم بهيمة الأنعام قال: الانعام كلها.
حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بهيمة الأنعام: هي الانعام.