والندب والإباحة والاطلاق، وإذ كان محتملا ما ذكرنا من الأوجه، كان أولى وجوهه به ما على صحته الحجة مجمعة دون ما لم يكن على صحته برهان يوجب حقية مدعية. وقد أجمعت الحجة على أن الله عز وجل لم يوجب على نبيه (ص) ولا على عباده فرض الوضوء لكل صلاة، ثم نسخ ذلك، ففي إجماعها على ذلك الدلالة الواضحة على صحة ما قلنا من أن فعل النبي (ص) ما كان يفعل من ذلك كان على ما وصفنا من إيثاره فعل ما ندبه الله عز ذكره إلى فعله وندب إليه عباده المؤمنين بقوله: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق... الآية، وأن تركه في ذلك الحال التي تركه كان ترخيصا لامته وإعلاما منه لهم أن ذلك غير واجب ولا لازم له ولا لهم، إلا من حدث يوجب نقض الطهر. وقد روي بنحو ما قلنا في ذلك أخبار:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثني وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن عامر، عن أنس: أن النبي (ص) أتي بقعب صغير، فتوضأ. قال: قلت لأنس: أكان رسول الله (ص) يتوضأ عند كل صلاة؟ قال: نعم. قلت: فأنتم؟ قال: كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد.
حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي، ثنا عيسى بن يونس، عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عن أبي غطيف، قال: صليت مع ابن عمر الظهر، فأتى مجلسا في داره، فجلس وجلست معه، فلما نودي بالعصر دعا بوضوء فتوضأ، ثم خرج إلى الصلاة، ثم رجع إلى مجلسه فلما نودي بالمغرب دعا بوضوء فتوضأ، فقلت: أسنة ما أراك تصنع؟ قال: لا، وإن كان وضوئي لصلاة الصبح كاف للصلوات كلها ما لم أحدث، ولكني سمعت رسول الله (ص) يقول: من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات، فأنا رغبت في ذلك.