يعني يقولون: عليها غشاوة وأغطية عما تدعونا إليه، فلا نفقه ما تقول، ولا نعقله. وقد بينا معنى الغلف، وذكرنا ما في ذلك من الرواية فيما مضى قبل. بل طبع الله عليها بكفرهم يقول جل ثناؤه: كذبوا في قولهم قلوبنا غلف، ما هي بغلف ولا عليها أغطية ولكن الله جل ثناؤه جعل عليها طابعا بكفرهم بالله. وقد بينا صفة الطبع على القلب فيما مضى بما أغنى عن إعادته. فلا يؤمنون إلا قليلا يقول: فلا يؤمن هؤلاء الذين وصف الله صفتهم لطبعه على قلوبهم، فيصدقوا بالله ورسله وما جاءتهم به من عند الله إلا إيمانا قليلا، يعني: تصديقا قليلا. وإنما صار قليلا لأنهم لم يصدقوا على ما أمرهم الله به، ولكن صدقوا ببعض الأنبياء وببعض الكتب وكذبوا ببعض، فكان تصديقهم بما صدقوا به قليلا، لأنهم وإن صدقوا به من وجه، فهم به مكذبون من وجه آخر. وذلك من وجه تكذيبهم من كذبوا به من الأنبياء وما جاءوا به من كتب الله ورسل الله يصدق بعضهم بعضا، وبذلك أمر كل نبي أمته، وكذلك كتب الله يصدق بعضها بعضا ويحقق بعض بعضا، فالمكذب ببعضها مكذب بجميعها من جهة جحوده ما صدقه الكتاب الذي يقر بصحته، فلذلك صار إيمانهم بما آمنوا من ذلك قليلا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله:
فبما نقضهم ميثاقهم يقول: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم وقولهم قلوبنا غلف: أي لا نفقه، بل طبع الله عليها بكفرهم ولعنهم حين فعلوا ذلك.
واختلف في معنى قوله: فبما نقضهم... الآية، هل هو مواصل لما قبله من الكلام، أو هو منفصل منه؟ فقال بعضهم: هو منفصل مما قبله، ومعناه: فبنقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ولعنهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فلا