أنه نازل به من الموت، فحكوا ما كان عندهم حقا، والامر عند الله في الحقيقة بخلاف ما حكوا، فلم يستحق الذين حكوا ذلك من حوارييه أن يكونوا كذبة، أو حكوا ما كان حقا عندهم في الظاهر وإن كان الامر عند الله في الحقيقة بخلاف الذي حكوا.
القول في تأويل قوله تعالى: وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا.
يعني جل ثناؤه بقوله: وإن الذين اختلفوا فيه اليهود الذين أحاطوا بعيسى وأصحابه حين أرادوا قتله. وذلك أنهم كانوا قد عرفوا عدة من في البيت قبل دخولهم فيما ذكر فلما دخلوا عليهم، فقدوا واحدا منهم، فالتبس أمر عيسى عليهم بفقدهم واحدا من العدة التي كانوا قد أحصوها، وقتلوا من قتلوا على شك منهم في أمر عيسى. وهذا التأويل على قول من قال: لم يفارق الحواريون عيسى حتى رفع ودخل عليهم اليهود.
وأما تأويله على قول من قال: تفرقوا عنه من الليل، فإنه: وإن الذين اختلفوا في عيسى، هل هو الذي بقي في البيت منهم بعد خروج من خرج منهم من العدة التي كانت فيه أم لا؟ لفي شك منه، يعني: من قتله، لأنهم كانوا أحصوا من العدة حين دخلوا البيت أكثر ممن خرج منه ومن وجد فيه، فشكوا في الذي قتلوه هل هو عيسى أم لا من أجل فقدهم من فقدوا من العدد الذي كانوا أحصوه، ولكنهم قالوا: قتلنا عيسى، لمشابهة المقتول عيسى في الصورة. يقول الله جل ثناؤه: ما لهم به من علم يعني: أنهم قتلوا من قتلوه على شك منهم فيه واختلاف، هل هو عيسى أم غيره؟ من غير أن يكون لهم بمن قتلوه علم من هو، هو عيسى أم هو غيره؟ إلا اتباع الظن يعني جل ثناؤه: ما كان لهم بمن قتلوه من علم، ولكنهم اتبعوا ظنهم، فقتلوه ظنا منهم أنه عيسى وأنه الذي يريدون قتله، ولم يكن به. وما قتلوه يقينا يقول: وما قتلوا هذا الذي اتبعوه في المقتول الذي قتلوه وهم يحسبونه عيسى يقينا أنه عيسى، ولا أنه غيره، ولكنهم كانوا منه على ظن وشبهة وهذا كقول الرجل للرجل:
ما قتلت هذا الامر علما وما قتلته يقينا، إذا تكلم فيه بالظن على غير يقين علم فالهاء في قوله: وما قتلوه عائدة على الظن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: وما قتلوه يقينا قال: يعني: لم يقتلوا ظنهم يقينا.