الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) * من قصص بني إسرائيل وخبرهم مع طالوت وجالوت، وما بعد ذلك من نبأ الذي حاج إبراهيم مع إبراهيم، وأمر الذي مر على القرية الخاوية على عروشها، وقصة إبراهيم ومسألته ربه ما سأل مما قد ذكرناه قبل، اعتراض من الله تعالى ذكره بما اعترض به من قصصهم بين ذلك احتجاجا منه ببعضه على المشركين الذين كانوا يكذبون بالبعث وقيام الساعة، وحضا منه ببعضه للمؤمنين على الجهاد في سبيله الذي أمرهم به في قوله: * (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم) *. يعرفهم فيهم أنه ناصرهم وإن قل عددهم وكثر عدد عدوهم، ويعدهم النصرة عليهم، ويعلمهم سنته فيمن كان على منهاجهم من ابتغاء رضوان الله أنه مؤيدهم، وفيمن كان على سبيل أعدائهم من الكفار بأنه خاذلهم ومفرق جمعهم وموهن كيدهم، وقطعا منه ببعض عذر اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله (ص)، بما أطلع نبيه عليه من خفي أمورهم، ومكتوم أسرار أوائلهم وأسلافهم التي لم يعلمها سواهم، ليعلموا أن ما أتاهم به محمد (ص) من عند الله، وأنه ليس بتخرص ولا اختلاق، وإعذارا منه به إلى أهل النفاق منهم، ليحذروا بشكهم في أمر محمد (ص) أن يحل بهم من بأسه وسطوته، مثل الذي أحلهما بأسلافهم الذين كانوا في القرية التي أهلكها، فتركها خاوية على عروشها. ثم عاد تعالى ذكره إلى الخبر عن الذي يقرض الله قرضا حسنا، وما عنده له من الثواب على قرضه، فقال: * (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) * يعني بذلك: مثل الذين ينفقون أموالهم على أنفسهم في جهاد أعداء الله بأنفسهم وأموالهم، * (كمثل حبة) * من حبات الحنطة أو الشعير، أو غير ذلك من نبات الأرض التي تسنبل سنبلة بذرها زارع. فأنبتت، يعني فأخرجت * (سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) *، يقول: فكذلك المنفق ماله على نفسه في سبيل الله، له أجره سبعمائة ضعف على الواحد من نفقته. كما:
حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) * فهذا لمن أنفق في سبيل الله، فله سبعمائة.