الضحاك، قال: أمره أن يخالف بين قوائمهن ورؤوسهن وأجنحتهن، ثم يجعل على كل جبل منهن جزءا.
حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد، قال:
سمعت الضحاك يقول في قوله: * (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) * فخالف إبراهيم بين قوائمهن وأجنحتهن.
(وأولى التأويلات بالآية ما قاله مجاهد، وهو أن الله تعالى ذكره أمر إبراهيم بتفريق أعضاء الأطيار الأربعة بعد تقطيعه إياهن على جميع الأجبال التي كان يصل إبراهيم في وقت تكليف الله إياه تفريق ذلك وتبديدها عليها أجزاء، لان الله تعالى ذكره قال له: * (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) * والكل حرف يدل على الإحاطة بما أضيف إليه لفظه واحد ومعناه الجمع. فإذا كان ذلك كذلك فلن يجوز أن تكون الجبال التي أمر الله إبراهيم بتفريق أجزاء الأطيار الأربعة عليها خارجة من أحد معنيين: إما أن تكون بعضا أو جمعا، فإن كانت بعضا فغير جائز أن يكون ذلك البعض إلا ما كان لإبراهيم السبيل إلى تفريق أعضاء الأطيار الأربعة عليه. أو يكون جمعا، فيكون أيضا كذلك. وقد أخبر الله تعالى ذكره أنه أمره بأن يجعل ذلك على كل جبل، وذلك إما كل جبل وقد عرفهن إبراهيم بأعيانهن، وإما ما في الأرض من الجبال.
فأما قول من قال: إن ذلك أربعة أجبل، وقول من قال: هن سبعة، فلا دلالة عندنا على صحة شئ من ذلك فنستجيز القول به. وإنما أمر الله إبراهيم (ص) أن يجعل الأطيار الأربعة أجزاء متفرقة على كل جبل ليري إبراهيم قدرته على جمع أجزائهن وهن متفرقات متبددات في أماكن مختلفة شتى، حتى يؤلف بعضهن إلى بعض، فيعدن كهيئتهن قبل تقطيعهن وتمزيقهن وقبل تفريق أجزائهن على الجبال أطيارا أحياء يطرن، فيطمئن قلب إبراهيم ويعلم أن كذلك يجمع الله أوصال الموتى لبعث القيامة وتأليفه أجزاءهم بعد البلى ورد كل عضو من أعضائهم إلى موضعه كالذي كان قبل الرد. والجزء من كل شئ هو البعض منه كان منقسما جميعه عليه على صحة أو غير منقسم، فهو بذلك من معناه مخالف معنى السهم، لان السهم من الشئ: هو البعض المنقسم عليه جميعه على صحة، ولذلك كثر استعمال الناس في كلامهم عند ذكرهم أنصباءهم من المواريث السهام دون الاجزاء.