الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين) * يعني تعالى ذكره بذلك: * (يا أيها الذين آمنوا) * صدقوا الله ورسوله، * (لا تبطلوا صدقاتكم) *، يقول: لا تبطلوا أجور صدقاتكم بالمن والأذى، كما أبطل كفر الذي ينفق ماله * (رئاء الناس) *، وهو مراءاته إياهم بعمله، وذلك أن ينفق ماله فيما يرى الناس في الظاهر أنه يريد الله تعالى ذكره فيحمدونه عليه وهو مريد به غير الله ولا طالب منه الثواب وإنما ينفقه كذلك ظاهرا ليحمده الناس عليه فيقولوا: هو سخي كريم، وهو رجل صالح، فيحسنوا عليه به الثناء وهم لا يعلمون ما هو مستبطن من النية في إنفاقه ما أنفق، فلا يدرون ما هو عليه من التكذيب بالله تعالى ذكره واليوم الآخر.
وأما قوله: * (ولا يؤمن بالله واليوم الآخر) * فإن معناه: ولا يصدق بوحدانية الله وربوبيته، ولا بأنه مبعوث بعد مماته فمجازي على عمله، فيجعل عمله لوجه الله وطلب ثوابه وما عنده في معاده. وهذه صفة المنافق، وإنما قلنا إنه منافق، لان المظهر كفره والمعلن شركه معلوم أنه لا يكون بشئ من أعماله مرائيا، لان المرائي هو الذي يرائي الناس بالعمل الذي هو في الظاهر لله وفي الباطن عامله مراده به حمد الناس عليه، والكافر لا يخيل على أحد أمره أن أفعاله كلها إنما هي للشيطان - إذا كان معلنا كفره - لا لله، ومن كان كذلك فغير كائن مرائيا بأعماله.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال أبو هانئ الخولاني، عن عمرو بن حريث، قال: إن الرجل يغزو، لا يسرق ولا يزني، ولا يغل، لا يرجع بالكفاف!
فقيل له: لم ذاك؟ قال: فإن الرجل ليخرج فإذا أصابه من بلاء الله الذي قد حكم عليه سب ولعن إمامه، ولعن ساعة غزا، وقال: لا أعود لغزوة معه أبدا! فهذا عليه، وليس له مثل النفقة في سبيل الله يتبعها من وأذى، فقد ضرب الله مثلها في القرآن: * (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * حتى ختم الآية.