أيحب أحدكم أن يعيش في الضلالة والمعاصي حتى يأتيه الموت، فيجئ يوم القيامة قد ضل عنه عمله أحوج ما كان إليه، فيقول ابن آدم: أتيتني أحوج ما كنت قط إلى خير، فأين ما قدمت لنفسك؟
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقرأ قول الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * ثم ضرب ذلك مثلا، فقال: * (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب) * حتى بلغ * (فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت) * قال: جرت أنهارها وثمارها، وله ذرية ضعفاء، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، أيود أحدكم هذا؟ فما يحمل أحدكم أن يخرج من صدقته ونفقته حتى إذا كان له عندي جنة وجرت أنهارها وثمارها، وكانت لولده وولد ولده أصابها ريح إعصار فحرقها.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: * (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار) * رجل غرس بستانا فيه من كل الثمرات، فأصابه الكبر، وله ذرية ضعفاء، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، فلا يستطيع أن يدفع عن بستانه من كبره، ولم يستطع ذريته أن يدفعوا عن بستانه، فذهبت معيشته ومعيشة ذريته. فهذا مثل ضربه الله للكافر، يقول:
يلقاني يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى خير يصيبه، فلا يجد له عندي خيرا ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب الله شيئا.
وإنما دللنا أن الذي هو أولى بتأويل ذلك ما ذكرناه، لان الله جل ثناؤه تقدم إلى عباده المؤمنين بالنهي عن المن والأذى في صدقاتهم. ثم ضرب مثلا لمن من وآذى من تصدق عليه بصدقة، فمثله بالمرائي من المنافقين، المنفقين أموالهم رياء الناس. وكانت قصة هذه الآية وما قبلها من المثل نظيرة ما ضرب لهم من المثل قبلها، فكان إلحاقها بنظيرتها أولى من حمل تأويلها على أنه مثل ما لم يجر له ذكر قبلها ولا معها.
فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: * (وأصابه الكبر) * وهو فعل ماض فعطف به على قوله * (أيود أحدكم) *؟ قيل، إن ذلك كذلك، لان قوله: * (أيود) * يصح أن يوضع فيه لو مكان أن فلما صلحت بلو وأن ومعناهما جميعا الاستقبال، استجازت العرب أن يردوا فعل بتأويل لو على يفعل مع أن، فلذلك قال: فأصابها، وهو في مذهبه بمنزلة لو إذا ضارعت أن في معنى الجزاء، فوضعت في مواضعها، وأجيبت أن بجواب لو ولو