ومسيسى مقصور مشدد غير مجرى. وكأنهم اختاروا قراءة ذلك إلحاقا منهم له بالقراءة المجتمع عليها في قوله: ولم يمسسني بشر. وقرأ ذلك آخرون: ما لم تماسوهن بضم التاء والألف بعد الميم إلحاقا منهم ذلك بالقراءة المجمع عليها في قوله: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا وجعلوا ذلك بمعنى فعل كل واحد من الرجل والمرأة بصاحبه من قولك: ماسست الشئ مماسة ومساسا.
والذي نرى في ذلك أنهما قراءتان صحيحتا المعنى متفقتا التأويل، وإن كان في إحداهما زيادة معنى غير موجبة اختلافا في الحكم والمفهوم. وذلك أنه لا يجهل ذو فهم إذا قيل له: مسست زوجتي أن الممسوسة قد لاقى من بدنها بدن الماس ما لاقاه مثله من بدن الماس، فكل واحد منهما وإن أفرد الخبر عنه بأنه الذي ماس صاحبه معقول، كذلك الخبر نفسه أن صاحبه المسوس قد ماسه، فلا وجه للحكم لاحدى القراءتين مع اتفاق معانيهما، وكثرة القراءة بكل واحدة منهما بأنها أولى بالصواب من الأخرى، بل الواجب أن يكون القارئ بأيتهما قرأ مصيب الحق في قراءته.
وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن المطلقات قبل الافضاء إليهن في نكاح قد سمي لهن فيه الصداق. وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لان كل منكوحة فإنما هي إحدى اثنتين إما مسمى لها الصداق، أو غير مسمى لها ذلك، فعلمنا بالذي يتلو ذلك من قوله تعالى ذكره أن المعنية بقوله: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن إنما هي المسمى له، لان المعنية بذلك لو كانت غير المفروض لها الصداق لما كان لقوله: أو تفرضوا لهن فريضة معنى معقول، إذ كان لا معنى لقول قائل: لا جناح عليكم إذا طلقتم النساء ما لم تفرضوا لهن فريضة في نكاح لم تماسوهن فيه أو ما لم تفرضوا لهن فريضة. فإذ كان لا معنى لذلك، فمعلوم أن الصحيح من التأويل في ذلك: لا جناح عليكم إن طلقتم المفروض لهن من نسائكم الصداق قبل أن تماسوهن، وغير المفروض لهن قبل الفرض.
القول في تأويل قوله تعالى: أو تفرضوا لهن فريضة.
يعني تعالى ذكره بقوله أو تفرضوا لهن أو توجبوا لهن، وبقوله: فريضة صداقا واجبا. كما: