بنفسها بعد الطلاق لاجماع الجميع من أهل الاسلام أن الأقراء التي أوجب الله عليها تربصهن ثلاثة قروء، بين كل قرء منهن أوقات مخالفات المعنى لأقرائها التي تربصهن، وإذ كن مستحقات عندنا اسم أقراء، فإن ذلك من إجماع الجميع لم يجز لها التربص إلا على ما وصفنا قبل.
وفي هذه الآية دليل واضح على خطأ قول من قال: إن امرأة المولي التي آلى منها تحل للأزواج بانقضاء الأشهر الأربعة إذا كانت قد حاضت ثلاث حيض في الأشهر الأربعة لان الله تعالى ذكره إنما أوجب عليها العدة بعد عزم المولي على طلاقها، وإيقاع الطلاق بها بقوله: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فأوجب تعالى ذكره على المرأة إذا صارت مطلقة تربص ثلاثة قروء، فمعلوم أنها لم تكن مطلقة يوم آلى منها زوجها لاجماع الجميع على أن الايلاء ليس بطلاق موجب على المولى منها العدة.
وإذ كان ذلك كذلك، فالعدة إنما تلزمها بعد الطلاق، والطلاق إنما يلحقها بما قد بيناه قبل.
وأما معنى قوله: والمطلقات فإنه: والمخليات السبيل غير ممنوعات بأزواج ولا مخطوبات، وقول القائل: فلانة مطلقة، إنما هو مفعلة من قول القائل: طلق الرجل زوجته فهي مطلقة وأما قولهم: هي طالق، فمن قولهم: طلقها زوجها فطلقت هي، وهي تطلق طلاقا، وهي طالق. وقد حكي عن بعض أحياء العرب أنها تقول: طلقت المرأة وإنما قيل ذلك لها إذا خلاها زوجها، كما يقال للنعجة المهملة بغير راع ولا كالئ إذا خرجت وحدها من أهلها للرعي مخلاة سبيلها: هي طالق فمثلت المرأة المخلاة سبيلها بها، وسميت بما سميت به النعجة التي وصفنا أمرها. وأما قولهم: طلقت المرأة، فمعنى غير هذا إنما يقال في هذا إذا نفست، هذا من الطلق، والأول من الطلاق. وقد بينا أن التربص إنما هو التوقف عن النكاح، وحبس النفس عنه في غير هذا الموضع.