قال: ثنا شريك، عن معاوية بن إسحاق، عن أبي صالح الحنفي، قال: قال رسول الله (ص):
الحج جهاد والعمرة تطوع.
وقد زعم بعض أهل الغباء أنه قد صح عنده أن العمرة واجبة بأنه لم يجد تطوعا إلا وله إمام من المكتوبة فلما صح أن العمرة تطوع وجب أن يكون لها فرض، لان الفرض إمام التطوع في جميع الأعمال.
فيقال لقائل ذلك: فقد جعل الاعتكاف تطوعا، فما الفرض الذي هو إمام متطوعه؟
ثم يسئل عن الاعتكاف أواجب هو أم غير واجب؟ فإن قال: واجب، خرج من قول جميع الأمة، وإن قال: تطوع، قيل: فما الذي أوجب أن يكون الاعتكاف تطوعا والعمرة فرضا من الوجه الذي يجب التسليم له؟ فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله.
وبما استشهدنا من الأدلة، فإن أولى القراءتين بالصواب في العمرة قراءة من قرأها نصبا. وإن أولى التأويلين في قوله وأتموا الحج والعمرة لله تأويل ابن عباس الذي ذكرنا عنه من رواية علي بن أبي طلحة عنه من أنه أمر من الله بإتمام أعمالهما بعد الدخول فيهما وإيجابهما على ما أمر به من حدودهما وسننهما.
وإن أولى القولين في العمرة بالصواب قول من قال: هي تطوع لا فرض. وإن معنى الآية: وأتموا أيها المؤمنون الحج والعمرة لله بعد دخولكم فيهما وإيجابكموهما على أنفسكم على ما أمركم الله من حدودهما. وإنما أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية على نبيه عليه الصلاة والسلام في عمرة الحديبية التي صد فيها عن البيت معرفه المؤمنين فيها ما عليهم في إحرامهم إن خلى بينهم وبين البيت ومبينا لهم فيها ما المخرج لهم من إحرامهم إن أحرموا، فصدوا عن البيت وبذكر اللازم لهم من الأعمال في عمرتهم التي اعتمروها عام الحديبية وما يلزمهم فيها بعد ذلك في عمرتهم وحجهم، افتتح بقوله: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج. وقد دللنا فيما مضى على معنى الحج والعمرة بشواهد، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته.