والاحلال. قالوا: فإنما أنزل الله هذه الآية في حصر العدو، فلا يجوز أن يصرف حكمها إلى غير المعنى الذي نزلت فيه.
قالوا: وأما المريض، فإنه إذا لم يطق لمرضه السير حتى فاتته عرفة، فإنما هو رجل فاته الحج، عليه الخروج من إحرامه بما يخرج به من فاته الحج، وليس من معنى المحصر الذي نزلت هذه الآية في شأنه.
وأولى التأويلين بالصواب في قوله: فإن أحصرتم تأويل من تأوله بمعنى: فإن أحصركم خوف عدو أو مرض أو علة عن الوصول إلى البيت، أي صيركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم، فتحبسونها عن النفوذ لما أوجبتموه على أنفسكم من عمل الحج والعمرة. فلذا قيل أحصرتم، لما أسقط ذكر الخوف والمرض. يقال منه:
أحصرني خوفي من فلان عن لقائك، ومرضي عن فلان، يراد به: جعلني أحبس نفسي عن ذلك. فأما إذا كان الحابس الرجل والانسان، قيل: حصرني فلان عن لقائك، بمعنى حبسني عنه.
فلو كان معنى الآية ما ظنه المتأول من قوله: فإن أحصرتم فإن حبسكم حابس من العدو عن الوصول إلى البيت، لوجب أن يكون: فإن حصرتم.
ومما يبين صحة ما قلناه من أن تأويل الآية مراد بها إحصار غير العدو وأنه إنما يراد بها الخوف من العدو، قوله: فإن أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج والأمن إنما يكون بزوال الخوف. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الاحصار الذي عنى الله في هذه الآية هو الخوف الذي يكون بزواله الامن.
وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن حبس الحابس الذي ليس مع حبسه خوف على النفس من حبسه داخلا في حكم الآية بظاهرها المتلو، وإن كان قد يلحق حكمه عندنا بحكمه من وجه القياس من أجل أن حبس من لا خوف على النفس من حبسه، كالسلطان غير المخوفة عقوبته، والوالد وزوج المرأة، وإن كان منهم أو من بعضهم حبس، ومنع عن الشخوص لعمل الحج، أو الوصول إلى البيت بعد إيجاب الممنوع الاحرام، غير داخل في ظاهر قوله: فإن أحصرتم لما وصفنا من أن معناه: فان أحصركم خوف عدو، بدلالة قوله:
فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج. وقد بين الخبر الذي ذكرنا آنفا عن ابن عباس أنه قال: الحصر: حصر العدو.