وأما معنى قوله: فاتباع بالمعروف فإنه يعني: فاتباع على ما أوجبه الله له من الحق قبل قاتل وليه من غير أن يزداد عليه ما ليس له عليه في أسنان الفرائض أو غير ذلك، أو يكلفه ما لم يوجبه الله له عليه. كما:
2131 - حدثني بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: بلغنا عن نبي الله (ص) أنه قال: من زاد أو ازداد بعيرا يعني في إبل الديات وفرائضها فمن أمر الجاهلية. وأما إحسان الآخر في الأداء، فهو أداء ما لزمه بقتله لولي القتيل على ما ألزمه الله وأوجبه عليه من غير أن يبخسه حقا له قبله بسبب ذلك، أو يحوجه إلى اقتضاء ومطالبة.
فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ولم يقل:
فاتباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان، كما قال: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب؟ قيل: لو كان التنزيل جاء بالنصب، وكان: فاتباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان، كان جائزا في العربية صحيحا على وجه الامر، كما يقال: ضربا ضربا، وإذا لقيت فلانا فتبجيلا وتعظيما غير أنه جاء رفعا، وهو أفصح في كلام العرب من نصبه، وكذلك ذلك في كل ما كان نظيرا له مما يكون فرضا عاما فيمن قد فعل وفيمن لم يفعل إذا فعل، لا ندبا وحثا. ورفعه على معنى: فمن عفي له من أخيه شئ فالامر فيه اتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان، أو: فالقضاء والحكم فيه اتباع بالمعروف. وقد قال بعض أهل العربية: رفع ذلك على معنى: فمن عفي له من أخيه شئ فعليه اتباع بالمعروف. وهذا مذهبي، والأول الذي قلناه هو وجه الكلام، وكذلك كل ما كان من نظائر ذلك في القرآن فإن رفعه على الوجه الذي قلناه، وذلك مثل قوله: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم وقوله: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
وأما قوله: فضرب الرقاب فإن الصواب فيه النصب، وهو وجه الكلام لأنه على وجه الحث من الله تعالى ذكره عباده على القتل عند لقاء العدو كما يقال: إذا لقيتم العدو فتكبيرا وتهليلا، على وجه الحض على التكبير لا على وجه الايجاب والالزام.
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك تخفيف من ربكم ورحمة.