وقال آخرون معنى قوله: فمن عفي فمن فضل له فضل وبقيت له بقية. وقالوا:
معنى قوله: من أخيه شئ من دية أخيه شئ، أو من أرش جراحته فاتباع منه القاتل أو الجارح الذي بقي ذلك قبله بمعروف وأداء من القاتل أو الجارح إليه ما بقي قبله له من ذلك بإحسان.
وهذا قول من زعم أن الآية نزلت، أعني قوله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى في الذين تحاربوا على عهد رسول الله (ص)، فأمر رسول الله (ص) أن يصلح بينهم فيقاص ديات بعضهم من بعض ويرد بعضهم على بعض بفضل إن بقي لهم قبل الآخرين. وأحسب أن قائلي هذا القول وجهوا تأويل العفو في هذا الموضع إلى الكثرة من قول الله تعالى ذكره: حتى عفوا، فكان معنى الكلام عندهم: فمن كثر له قبل أخيه القاتل. ذكر من قال ذلك:
2130 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فمن عفي له من أخيه شئ يقول: بقي له من دية أخيه شئ أو من أرش جراحته، فليتبع بمعروف وليؤد الآخر إليه بإحسان.
والواجب على تأويل القول الذي روينا عن علي والحسن في قوله: كتب عليكم القصاص أنه بمعنى مقاصة دية النفس الذكر من دية النفس الأنثى، والعبد من الحر، والتراجع بفضل ما بين ديتي أنفسهما أن يكون معنى قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فمن عفي له من الواجب لأخيه عليه من قصاص دية أحدهما بدية نفس الآخر إلى الرضى بدية نفس المقتول، فاتباع من الولي بالمعروف، وأداء من القاتل إليه ذلك بإحسان.
وأولى الأقوال عندي بالصواب في قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فمن صفح له من الواجب كان لأخيه عليه من القود عن شئ من الواجب على دية يأخذها منه، فاتباع بالمعروف من العافي عن الدم الراضي بالدية من دم وليه، وأداء إليه من القاتل ذلك بإحسان لما قد بينا من العلل فيما مضى قبل من أن معنى قول الله تعالى ذكره: كتب عليكم القصاص إنما هو القصاص من النفوس القاتلة أو الجارحة والشاجة عمدا، كذلك العفو أيضا عن ذلك.