كان فرضا على أهل الحقوق أن يفعلوه فلا خيار لهم فيه، والجميع مجمعون على أن لأهل الحقوق الخيار في مقاصتهم حقوقهم بعضها من بعض، فإذا تبين فساد هذا الوجه الذي ذكرنا، فالصحيح من القول في ذلك هو ما قلنا.
فإن قال قائل إذ ذكرت أن معنى قوله: كتب عليكم القصاص بمعنى: فرض عليكم القصاص: لا يعرف لقول القائل كتب معنى إلا معنى خط ذلك فرسم خطا وكتابا، فما برهانك على أن معنى قوله كتب فرض؟ قيل: إن ذلك في كلام العرب موجود، وفي أشعارهم مستفيض، ومنه قول الشاعر:
كتب القتل والقتال علينا * وعلى المحصنات جر الذيول وقول نابغة بني جعدة:
يا بنت عمي كتاب الله أخرجني * عنكم فهل أمنعن الله ما فعلا وذلك أكثر في أشعارهم وكلامهم من أن يحصى. غير أن ذلك وإن كان بمعنى فرض، فإنه عندي مأخوذ من الكتاب الذي هو رسم وخط، وذلك أن الله تعالى ذكره قد كتب جميع ما فرض على عباده وما هم عاملوه في اللوح المحفوظ، فقال تعالى ذكره في القرآن: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ وقال: إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون فقد تبين بذلك أن كل ما فرضه علينا ففي اللوح المحفوظ مكتوب.
فمعنى قول إذ كان ذلك كذلك: كتب عليكم القصاص كتب عليكم في اللوح المحفوظ القصاص فالقتلى فرضا أن لا تقتلوا بالمقتول غير قاتله.
وأما القصاص فإنه من قول القائل: قاصصت فلانا حقي قبله من حقه قبلي، قصاصا