ثم يستمر تعالى بقوله: كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير.
فلماذا إذن أوقعتم أنفسكم في هذا المصير البائس، وهذا البلاء العظيم والساعة الرهيبة، إن الملائكة (خزنة جهنم) يستغربون ويكادون أن يصعقوا لما أصابكم وما أوقعتم به أنفسكم، في مثل هذه الداهية مع الوعي الذي حباكم به الله سبحانه وما تفضل به عليكم من نعمة الرسل الإلهيين والقادة من الأنبياء والمرسلين.. فكيف اخترتم لأنفسكم مقرا كهذا؟
قالوا بلى قد جاءنا نذير، فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال كبير.
وهكذا يأتي الاعتراف: نعم قد جاءنا الرسل إلا أننا كذبناهم ولم نسمع نداءهم المحيي للنفوس بل خالفناهم وعارضناهم واعتبرناهم ضالين، وأخرجناهم من بين صفوفنا، وأبعدناهم عنا..
ثم يذكر القرآن الدليل الأصلي على شقائهم وتعاستهم ولكن على لسانهم فيقول: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير، أجل هكذا يأتي اعترافهم بذنوبهم بعد فوات الأوان فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير. وفي هذه الآيات وضمن بيان المصير المرعب لهؤلاء يشير إلى السبب الحقيقي لذلك، فمن جهة أعطاهم الله تعالى الاذن السامعة والعقل، ومن جهة أخرى بعث إليهم الرسل والأنبياء بالدلائل الواضحة فلو اقترن هذان الأمران فالنتيجة هي ضمان سعادة الإنسان، أما لو كان للإنسان اذن لا يسمع بها، وعين لا يبصر بها، وعقل لا يفكر به، فلو جاءه جميع الأنبياء والمرسلين بكافة معاجزهم وكتبهم، لم ينتفع بشئ. وقد ورد في الحديث الشريف، أن بعض المسلمين ذكروا شخصا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأثنوا عليه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " كيف عقل الرجل " فقيل:
يا رسول الله نحن نسأل عن سعيه وعبادته وخيراته وأنت تسأل عن عقله؟! فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غدا في