وهذا يعني أن المسلمين ما كانوا يأبهون بالخوف من خشية على مصالحهم أو على أنفسهم، بل لكي لا يقع مبدأ الحق في دائرة الشك ويكون الانتصار الظاهري للكفار دليلا على حقانيتهم وهذا هو منهج الإنسان المؤمن الراسخ في إيمانه، حيث أن جميع ما يقوم به ويضحي في سبيله لا لأجل نفسه، بل لله سبحانه، فهو مرتبط به وحده، قاطع كل علاقة بما سواه، طالب كل شئ لمرضاته.
ويضيف في نهاية الآية: واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم.
فقدرتك يا الله لا تقهر، وحكمتك نافذة في كل شئ.
إن هذه الجملة قد تكون إشارة لطلب المغفرة من الله سبحانه والعفو عن الزلل في حالة حصول الميل النفسي والحب والولاء لأعداء الله.
وهذا درس لكل المسلمين كي يقتدوا بهؤلاء. وإذا ما وجد بينهم شخص منحرف ك (حاطب) فليستغفروا ربهم ولينيبوا إليه.
ومرة أخرى يؤكد سبحانه في آخر آية من هذه الآيات على نفس الأمر الذي ذكر في أول آية، حيث يقول تعالى: لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر (1).
لقد كانوا لنا أسوة، ليس فقط في موقفهم ضد منهج الكفر وعبدة الأوثان، بل هم أسوة لنا في الدعاء بين يدي البارئ عز وجل، وقدوة لنا في طلب المغفرة منه كما استعرضت الآيات السابقة نماذج في ذلك.
إن هذا الاقتداء في حقيقته يتمثل في الذين تعلقوا بالله سبحانه، ونور الإيمان بالمبدأ والمعاد قلوبهم، ونهجوا منهج الحق وتحركوا في طريقه.. وبدون شك فإن هذا التأسي والاقتداء يرجع نفعه إلى المسلمين أنفسهم قبل الآخرين، لذا يضيف سبحانه في النهاية قوله: ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد.