وبناء على هذا فلا عجب فيمن يبتعد عن الحياة الاجتماعية التي هي جزء من فطرته أن يصاب بردود فعل شديدة، لذلك فإن الرهبانية - لأن منهجها خلافا لطبيعة الإنسان وفطرته - فإنها استبطنت مفاسد كثيرة من جملتها:
أولا: أن الرهبانية تتعارض مع طبيعة الإنسان المدنية وبالتالي فإنها تؤدي بالمجتمعات الإنسانية إلى الإنحطاط والتخلف.
ثانيا: ليست الرهبانية عائقا عن كمال النفس وتهذيب الروح والأخلاق فقط، بل تجر إلى الانحرافات الأخلاقية والكسل وسوء الظن والغرور والعجب والتشاؤم وما إلى ذلك، وعلى فرض أن الإنسان استطاع أن يصل إلى فضيلة أخلاقية في حالة الانزواء، فإنها في الواقع لا تعد كذلك، إذ أن الفضيلة أن يحرر الإنسان نفسه من التلوث الأخلاقي في قلب المجتمع.
ثالثا: إن ترك الزواج والإعراض عنه، والذي هو من مبادئ الرهبانية، ليس فقط يعوق عن الكمال، بل هو سبب لظهور العقد والأمراض النفسية وما إلى ذلك.
ونقرأ في دائرة المعارف أن بعض الرهبان كانوا يعتبرون الاهتمام بجنس المرأة عمل شيطاني، لحد أنهم منعوا وجود أنثى أي حيوان في الدير خوفا من الروح الشيطانية لهذه الأنثى التي قد تدنس روحانيتهم وتسبب لها انتكاسة.
ومع هذه الحالة فإن التأريخ يذكر لنا فضائح عديدة من الأديرة إلى حد أن وصفها (ويل دورانت) بأنها بيوت للفحشاء والدعارة، ومراكز لتجمع عباد البطون وطلاب الدنيا واللاهين، بحيث أن أفضل المشروبات كانت توجد في الأديرة.
وطبقا لشهادة التأريخ فإن السيد المسيح (عليه السلام) لم يتزوج أبدا، وهذا لم يكن بسبب موقف له من سنة الزواج، بل لقصر عمره، وانشغاله المستمر في مسؤولياته الرسالية التي كانت تستدعي منه السفر والتجول والتبليغ في المناطق النائية في العالم، وهي التي لم تسمح له بالزواج.
إن البحث حول الرهبانية يستحق كتابا مستقلا، وإذا أردنا أن نستفيض في