وبناء على هذا فإن القرآن الكريم يأمر الناس في هذه الآيات أن يتطلعوا ويتأملوا ويدققوا النظر في عالم الوجود ثلاث مرات - كحد أدنى - ويتدبروا أسرار الخلق. وبمعنى آخر فإن على الإنسان أن يدقق في خلق الله سبحانه مرات ومرات، وعندما لا يجد أي خلل أو نقص في هذا النظام العجيب والمحير لخلق الكون، فإن ذلك سيؤدي إلى معرفة خالق هذا الوجود العظيم ومدى علمه وقدرته اللامتناهية، مما يؤدي إلى عمق الإيمان به سبحانه والقرب من حضرته المقدسة.
" خاسئ " من مادة (خسأ) و (خسوء) على وزن (مدح، وخشوع) وإذا كان مورد استعمالها العين، فيقصد بهما التعب والعجز، أما إذا استعملت للكلب فيقصد منها طرده وإبعاده.
" حسير " من مادة (حسر)، على وزن (قصر) بمعنى جعل الشئ عاريا، وإذا ما فقد الإنسان قدرته واستطاعته بسبب التعب، فإنه يكون عاريا من قواه، لذا فإنها جاءت بمعنى التعب والعجز.
وبناء على هذا فإن كلمتي (خاسئ) و (حسير) اللتين وردتا في الآية أعلاه، تعطيان معنى واحدا في التأكيد على عجز العين، وبيان عدم مقدرتها على مشاهدة أي خلل أو نقص في نظام عالم الوجود.
وفرق البعض بين معنى الكلمتين، إذ قال: إن (خاسئ) تعني المحروم وغير الموفق، و (حسير) بمعنى العاجز.
وعلى كل حال فيمكن استنتاج أساسين من الآيات المتقدمة:
الأول: أن القرآن الكريم يأمر جميع السائرين في درب الحق أن يتدبروا ويتأملوا كثيرا في أسرار عالم الوجود وما فيه من عجائب الخلق، وأن لا يكتفوا بالنظر إلى هذه المخلوقات مرة واحدة أو مرتين، حيث أن هنالك أسرارا كثيرة وعظيمة لا تتجلى ولا تظهر من خلال النظرة الأولى أو الثانية. بل تستدعي النظر الثاقب والمتعاقب والدقة الكثيرة، حتى تتضح الأسرار وتتبين الحقائق.