والتهذيب الفكري والاجتماعي للمسلمين.
ولكن لو كان التصدق قبل النجوى واجبا على الجميع، فإن الفقراء عندئذ سيحرمون من طرح المسائل المهمة كاحتياجاتهم ومشاكلهم أمام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلذا جاء في ذيل الآية إسقاط هذا الحكم عن المجموعة المستضعفة مما مكنهم من مناجاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والتحدث معه فإن لم تجدوا فان الله غفور رحيم.
وبهذه الصورة فإن دفع الصدقة قبل النجوى كان واجبا على الأغنياء دون غيرهم.
والطريف هنا أن للحكم أعلاه تأثيرا عجيبا وامتحانا رائعا أفرزه على صعيد الواقع من قبل المسلمين في ذلك الوقت، حيث امتنع الجميع من إعطاء الصدقة إلا شخص واحد، ذلك هو الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهنا اتضح ما كان يجب أن يتضح، وأخذ المسلمون درسا في ذلك، لذا نزلت الآية اللاحقة ونسخت الحكم حيث يقول سبحانه: أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات.
حيث اتضح أن حب المال كان في قلوبكم أحب من نجواكم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واتضح أيضا أن هذه النجوى لم تكن تطرح فيها مسائل أساسية، وإلا فما المانع من أن تقدم هذه المجموعة صدقة قبل النجوى، خاصة أن الآية لم تحدد مقدار الصدقة فبإمكانهم دفع مبلغ زهيد من المال لحل هذه المشكلة!!
ثم يضيف تعالى: فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون.
ويعكس لنا التعبير ب (التوبة) أنهم في نجواهم السابقة كانوا قد ارتكبوا ذنوبا، سواء في التظاهر والرياء، أو أذى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أذى المؤمنين الفقراء.
وبالرغم من عدم التصريح بجواز النجوى في هذه الآية بعد هذا الحادث، إلا أن تعبير الآية يوضح لنا أن الحكم السابق قد رفع.
أما الدعوة لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله فقد أكد عليها