إلا أن المعنى الأول أنسب حسب الظاهر، وذلك بقرينة المقابلة مع وضع المؤمنين والذين عبرت عنهم الآية ب (سويا).
وعلى كل حال، فهل أن هذه الحالة (مكبا) و (سويا) تمثل وضع الكفار والمؤمنين في الآخرة فقط؟ أم في العالمين (الدنيا والآخرة)؟ لا دليل على محدودية مفهوم الآية وانحصارها في الآخرة، فهما في الدنيا كما هما في الآخرة.
إن هؤلاء الأنانيين المنشدين إلى مصالحهم المادية والمنغمسين في شهواتهم، السائرين في درب الضلال والهوى، كمن يروم العبور من مكان ملئ بالأحجار زاحفا على صدره، بخلاف من تحرر من قيد الهوى في ظل الإيمان حيث يكون مسيره واضحا ومستقيما ونظراته عميقة وثاقبة.
ثم يوجه الله تعالى الخطاب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية اللاحقة فيقول: قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون.
إن الله تعالى جعل لكم وسيلة للمشاهدة والإبصار (العين) وكذلك وسيلة وقناة للاطلاع على أفكار الآخرين ومعرفة وجهات نظرهم من خلال الاستماع (الإذن) ثم وسيلة أخرى للتفكر والتدبر في العلوم والمحسوسات واللا محسوسات (القلب).
وخلاصة الأمر إن الله تعالى قد وضع جميع الوسائل اللازمة لكم لتتعرفوا على العلوم العقلية والنقلية، إلا أن القليل من الأشخاص من يدرك هذه النعم العظيمة ويشكر الله المنعم، حيث أن شكر النعمة الحقيقي يتجسد بتوجيه النعمة نحو الهدف الذي خلقت من أجله، ترى من هو المستفيد من هذه الحواس (العين والاذن والعقل) بصورة صحيحة في هذا الطريق؟
ثم يخاطب الرسول مرة أخرى حيث يقول تعالى: قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون.
وفي الحقيقة فإن الآية الأولى تعين (المسير)، والثانية تتحدث عن (وسائل