سكن أو عمل أو مصدر عيش.. فإنهم يقومون بالسياحة والتجول في ربوع الدنيا وبدون تهيئة مستلزمات الطريق من الزاد والمال.. بل يعتمدون على أخذ المساعدات من الناس عند كل نقطة يصلون إليها، ظانين أن ذلك نوعا من الزهد وترك الانشغال بالدنيا.
إلا أن الإسلام كما نفى الرهبانية الثابتة، فإنه قد نفى الرهبانية السيارة أيضا انسجاما مع التعاليم الإسلامية، فإن الزهد والصلاح مهم للإنسان المسلم، شريطة أن يكون في قلب المجتمع وليس في الانزواء والغربة عنه والبعد منه.
3 2 - المصدر التأريخي للرهبانية لم تكن الرهبانية موجودة بشكلها الحالي في القرون الأولى للتاريخ المسيحي، وقد ظهرت بعد القرن الميلادي الثالث في حكم الإمبراطور الروماني (ديسيوس) - وقتاله الشديد لأتباع السيد المسيح (عليه السلام)، ونتيجة لما لحق بهم من الأذى من قبل هذا الإمبراطور المتعطش للدماء، فإنهم لجأوا إلى الجبال والصحاري (1).
وجاء هذا المعنى بصورة أدق في الروايات الإسلامية حيث نقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لابن مسعود: " هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية؟
فقلت: الله ورسوله أعلم.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى يعملون بمعاصي الله، فغضبت أهل الإيمان فقاتلوهم، فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات، فلم يبق منهم إلا القليل، فقالوا: إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه، فتعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى (عليه السلام) (يعنون محمدا) - فتفرقوا