إلا أن القرآن الكريم حذر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مرارا من مغبة إبداء أي تعاطف مع عروضهم واقتراحاتهم الماكرة وأكد على عدم مداهنة أهل الباطل أبدا.
كما جاء في قوله تعالى: وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك.
" يدهنون " من مادة (مداهنة) مأخوذة في الأصل (الدهن) وتستعمل الكلمة في مثل هذه الموارد بمعنى إظهار اللين والمرونة، وفي الغالب يستعمل هذا التعبير في مجال إظهار اللين والميل المذموم كما في حالة النفاق.
ثم ينهى سبحانه مرة أخرى عن اتباعهم وطاعتهم، حيث يسرد الصفات الذميمة لهم، والتي كل واحدة منها يمكن أن تكون وحدها سببا للابتعاد عنه والصدود عن الاستجابة لهم.
يقول تعالى: ولا تطع كل حلاف مهين.
تقال كلمة " حلاف " على الشخص الكثير الحلف، والذي يحلف على كل صغيرة وكبيرة، وهذا النموذج في الغالب لا يتسم بالصدق، ولذا يحاول أن يطمئن الآخرين بصدقه من خلال الحلف والقسم.
" مهين " من (المهانة) بمعنى الحقارة والضعة، وفسرها البعض بأنها تعني الأشرار أو الجهلة أو الكاذبين.
ثم يضيف عز وجل: هماز مشاء بنميم.
" هماز " من مادة (همز)، (على وزن رمز) ويعني: الغيبة واستقصاء عيوب الآخرين.
" مشاء بنميم " تطلق على الشخص الذي يمشي بين الناس بإيجاد الإفساد والفرقة، وإيجاد الخصومة والعداء فيما بينهم (ومما يجدر الالتفات إليه أن هذين الوصفين وردا بصيغة المبالغة، والتي تحكي غاية الإصرار في العمل والاستمرار بهذه الممارسات القبيحة).