وبناء على هذا فإن الحرف المقطع هنا لا يختلف عن تفسير بقية الحروف المقطعة والتي أشرنا إليها سابقا.
ثم يقسم تعالى بموضوعين يعتبران من أهم المسائل في حياة الإنسان، فيقول تعالى: والقلم وما يسطرون.
كم هو قسم عجيب؟ وقد يتصور أن القسم هنا يتعلق ظاهرا بمواضيع صغيرة، أي قطعة من القصب - أو شئ يشبه ذلك - وبقليل من مادة سوداء، ثم السطور التي تكتب وتخط على صفحة صغيرة من الورق.
إلا أننا حينما نتأمل قليلا فيه نجده مصدرا لجميع الحضارات الإنسانية في العالم أجمع، إن تطور وتكامل العلوم والوعي والأفكار وتطور المدارس الدينية والفكرية، وبلورة الكثير من المفاهيم الحياتية.. كان بفضل ما كتب من العلوم والمعارف الإنسانية في الحقول المختلفة، مما كان له الأثر الكبير في يقظة الأمم وهداية الإنسان.. وكان ذلك بواسطة (القلم).
لقد قسمت حياة الإنسان إلى عصرين: (عصر التأريخ) و (عصر ما قبل التأريخ) وعصر تأريخ البشر يبدأ منذ أن اخترع الإنسان الخط واستطاع أن يدون قصة حياته وأحداثها على الصفحات، وبتعبير آخر، يبدأ عندما أخذ الإنسان القلم بيده، ودون للآخرين ما توصل إليه (وما يسطرون) تخليدا لماضيه.
وتتضح عظمة هذا القسم بصورة أكثر عندما نلاحظ أن هذه الآيات المباركة حينما نزلت لم يكن هنالك كتاب ولا أصحاب قلم، وإذا كان هنالك أشخاص يعرفون القراءة والكتابة، فإن عددهم في كل مكة - التي تمثل المركز العبادي والسياسي والاقتصادي لأرض الحجاز - لم يتجاوز ال (20) شخصا. ولذا فإن القسم ب (القلم) في مثل ذلك المحيط له عظمة خاصة.
والرائع هنا أن الآيات الأولى التي نزلت على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في (جبل النور) أو (غار حراء) قد أشير فيها أيضا إلى المنزلة العليا للقلم، حيث يقول تعالى: