يقول تعالى: تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير.
" تبارك ": من مادة (بركة) في الأصل من (برك) على وزن (ترك) بمعنى (صدر البعير)، وعندما يقال: (برك البعير) يعني وضع صدره على الأرض. ثم استعملت الكلمة بمعنى الدوام والبقاء وعدم الزوال، وأطلقت كذلك على كل نعمة باقية ودائمة، ومن هنا يقال لمحل خزن الماء (بركة) لأن الماء يبقى فيها مدة طويلة.
وقد ذكرت الآية أعلاه دليلا ضمنيا على أن الذات الإلهية مباركة، وهو مالكيته وحاكميته على الوجود، وقدرته على كل شئ، ولهذا السبب فإن وجوده تعالى كثير البركة ولا يعتريه الزوال.
ثم يشير سبحانه في الآية اللاحقة إلى الهدف من خلق الإنسان وموته وحياته، وهي من شؤون مالكيته وحاكميته تعالى فيقول: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.
" الموت ": حقيقته الانتقال من عالم إلى عالم آخر، وهذا الأمر وجودي يمكن أن يكون مخلوقا، لأن الخلقة ترتبط بالأمور الوجودية، وهذا هو المقصود من الموت في الآية الشريفة، أما الموت بمعنى الفناء والعدم فليس مخلوقا، لذا فإنه غير مقصود.
ثم إن ذكر الموت هنا قبل الحياة هو بلحاظ التأثير العميق الذي يتركه الالتفات إلى الموت، وما يترتب على ذلك من سلوك قويم وأعمال مقترنة بالطاعة والالتزام، إضافة إلى أن الموت كان في حقيقته قبل الحياة.
أما الهدف من الامتحان فهو تربية الإنسان كي يجسد الاستقامة والتقوى والطهر في الميدان العملي ليكون لائقا للقرب من الله سبحانه، وقد بحثنا ذلك مفصلا فيما سبق (1).