ثم يضيف سبحانه: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت.
إن الآية أعلاه تبين لنا أن عالم الوجود - بكل ما يحيطه من العظمة - قائم وفق نظام مستحكم، وقوانين منسجمة، ومقادير محسوبة، ودقة متناهية، ولو وقع أي خلل في جزء من هذا العالم الفسيح لأدى إلى دماره وفنائه.
وهذه الدقة المتناهية، والنظام المحير، والخلق العجيب، يتجسد لنا في كل شئ، ابتداء من الذرة الصغيرة وما تحويه من الإلكترونات والنيوترونات والبروتونات، وانتهاء بالنظم الحاكمة على جميع المنظومة الشمسية والمنظومات الأخرى، كالمجرات وغيرها.. إذ أن جميع ذلك يخضع لسيطرة قوانين متناهية في الدقة، ويسير وفق نظام خاص.
وخلاصة القول أن كل شئ في الوجود له قانون وبرنامج، وكل شئ له نظام محسوب.
ثم يضيف تعالى مؤكدا: فارجع البصر هل ترى من فطور.
" فطور " من مادة (فطر)، على وزن (سطر) بمعنى الشق من الطول، كما تأتي بمعنى الكسر (كإفطار الصيام) والخلل والإفساد، وقد جاءت بهذا المعنى في الآية مورد البحث.
ويقصد بذلك أن الإنسان كلما دقق وتدبر في عالم الخلق والوجود، فإنه لا يستطيع أن يرى أي خلل أو اضطراب فيه.
لذا يضيف سبحانه مؤكدا هذا المعنى في الآية اللاحقة حيث يقول: ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير.
" كرتين " من مادة (كر) على وزن (شر) بمعنى التوجه والرجوع إلى شئ معين، و (كرة) بمعنى التكرار و (كرتين) مثناها.
إلا أن بعض المفسرين ذكر أن المقصود من ال (كرتين) هنا ليس التثنية، بل الالتفات والتوجه المتكرر المتعاقب والمتعدد.