في الأديان السماوية، فالإنسان بما أنه يميل إلى ذاته يندفع بهذا الميل إلى إظهار زعمائه وقادته بصورة أكبر مما هم عليه، لكي يضفي على نفسه الأهمية والعظمة من خلال هؤلاء القادة، وقد يدفع الإنسان التصور الواهي بأن الإيمان هو المبالغة والغلو في احترام وتعظيم القادة - إلى الوقوع في متاهات هذا النوع من الانحراف الرهيب.
والغلو في أصله ينطوي على عيب كبير يفسد العنصر الأساسي للدين - الذي هو عبادة الله وتوحيده - ولهذا السبب فقد عامل الإسلام الغلاة أو المغالين بعنف وشدة، إذ عرفت كتب الفقه والعقائد هذه الفئة من الناس بأنهم أشد كفرا من الآخرين.
بعد ذلك تشير الآية الكريمة إلى عدة نقاط، يعتبر كل واحد منها في حد ذاته دليلا على بطلان قضية التثليث، وعدم صحة ألوهية المسيح (عليه السلام)، وهذه النقاط هي:
1 - لقد حصرت الآية بنوة السيد المسيح (عليه السلام) بمريم (عليها السلام) إنما المسيح عيسى بن مريم، وإشارة البنوة - هذه الواردة في ستة عشر مكانا من القرآن الكريم - إنما تؤكد أن المسيح (عليه السلام) هو إنسان كسائر الناس، خلق في بطن امه، ومر بدور الجنين في ذلك الرحم، وفتح عينيه على الدنيا حين ولد من بطن مريم (عليها السلام) كما يولد أفراد البشر من بطون أمهاتهم ومر بفترة الرضاعة وتربى في حجر امه، مما يثبت بأنه امتلك كل صفات البشر فكيف يمكن - وحالة المسيح (عليه السلام) هذه - أن يكون إلها أزليا أبديا، وهو في وجوده محكوم بالظواهر والقوانين المادية الطبيعية ويتأثر بالتحولات الجارية في عالم الوجود؟!
وعبارة الحصر التي هي " إنما " الواردة في الآية تحصر بنوة المسيح (عليه السلام) بمريم (عليها السلام) وتؤكد على أنه وإن لم يكن له والد، فليس معنى ذلك أن أباه هو الله، بل هو فقط ابن مريم (عليها السلام).