يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
فقد أحكم الله العزيز القدير خطة إرسال الأنبياء ونفذها بكل دقة، وبهذا تؤكد الآية وكان الله عزيزا حكيما فحكمته توجب تحقيق هذا العمل، وقدرته تمهد السبيل إلى تنفيذه، وعلى عكس ذلك فإن إهمال هذا الأمر المهم، إما أن يدل على الافتقار إلى الحكمة والمعرفة، أو أنه دلالة على العجز، والله منزه عن كل هذه العيوب.
أما الآية الأخرى فهي تطمئن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوضح له أن المهم هو أن الله قد شهد بما أنزل عليه من كتاب، وليس المهم أن يؤمن نفر من هؤلاء بهذا الكتاب أو يكفروا به - فتؤكد الآية في هذا المجال -: لكن الله يشهد بما أنزل إليك.
ولم يكن اختيار الله لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لمنصب النبوة أمرا عبثا - والعياذ بالله - بل كان هذا الاختيار نابعا من علم الله بما كان يتمتع به النبي من لياقة وكفاءة لهذا المنصب العظيم، ولنزول آيات الله عليه - حيث تقول الآية: أنزله بعلمه.
ويمكن - أيضا - أن تشمل هذه الآية معنى آخر، وهو أن ما نزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من آيات إنما ينبع من بحر علم الله اللامتناهي، وإن محتوى هذه الآيات يعتبر دليلا واضحا على أنها نابعة من علم الله - وعلى هذا الأساس فإن الشاهد على صدق ادعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الآيات القرآنية، ولا يحتاج إلى دليل آخر لإثبات دعوته، فلو لم يكن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يتلقى الوحي من قبل الله سبحانه وتعالى لما أمكنه أبدا - وهو المعروف بالأمي - أن يأتي بكتاب كالقرآن يشتمل على أرفع وأسمى التعاليم والفلسفات والقوانين والمبادئ الأخلاقية والبرامج الاجتماعية.
والقرآن الكريم يؤكد أن ليس الله وحده الذي يشهد بأن دعوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هي الحق، بل يشهد معه ملائكته بأحقية هذه الدعوة، مع أن شهادة الله كافية وحدها في هذا المجال تقول الآية الكريمة: والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا.