ولكي يثبتوا حصول هذا التغيير، ويثبتوا صدقهم فيه، عليهم أن يبادروا إلى الهجرة من مركز الكفر والنفاق إلى دار الإسلام (أي يهاجروا من مكة إلى المدينة) فتقول الآية: حتى يهاجروا في سبيل الله... أما إذا رفضوا الهجرة فليعلم المسلمون بأن هؤلاء لا يرضون لأنفسهم الخروج من حالة الكفر والنفاق، وإن تظاهرهم بالإسلام ليس إلا من أجل تمرير مصالحهم وأهدافهم الدنيئة ومن أجل أن يسهل عليهم التآمر والتجسس على المسلمين.
وفي هذه الحالة يستطيع المسلمون أن يأسروهم حيثما وجدوهم، وأن يقتلوهم إذا استلزم الأمر، تقول الآية الكريمة: فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم.
وتكرر هذه الآية التأكيد على المسلمين أن يتجنبوا مصاحبة هؤلاء المنافقين وأمثالهم فتقول: لا تتخذوا منهم وليا ولا نصير.
والقرآن في هذا الحكم يؤكد حقيقة مصيرية للمجتمع، هي أن حياة أي مجتمع تمر بمرحلة إصلاحية لا يمكن أن تستمر بصورة سليمة مالم يتخلص من جراثيم الفساد المتمثلة بهؤلاء المنافقين أو الأعداء الذين يتظاهرون بالإخلاص، وهم في الحقيقة عناصر مخربة هدامة تعمل في التآمر والتجسس على المجتمع ومصالحه العامة.
والطريف هنا أن الإسلام - مع اهتمامه برعاية أهل الكتاب من اليهود والنصارى وغيرهم ومنعه الظلم والعدوان عنهم - نراه يشدد كثيرا في التحذير من خطر المنافقين، ويرى ضرورة التعامل معهم بعنف وقسوة، ورغم تظاهرهم بالإسلام يصرح القرآن بأسرهم، بل حتى بقتلهم إن استلزم الأمر.
وما هذا التشديد إلا لأن هؤلاء يستطيعون ضرب الإسلام تحت ستار الإسلام، وهذا ما يعجز عن أدائه أي عدو آخر.