يزكون أنفسهم وفي هذه إشارة إلى إحدى الصفات الذميمة التي قد يبتلى بها كثير من الأفراد والشعوب، إنها صفة مدح الذات وتزكية النفس، وادعاء الفضيلة لها.
ثم يقول سبحانه: بل الله يزكي من يشاء فهو وحده الذي يمدح الأشخاص ويزكيهم طبقا لما يتوفر عندهم من مؤهلات وخصال حسنة دون زيادة أو نقصان، وعلى أساس من الحكمة والمشيئة البالغة، وليس اعتباطا أو عبثا. ولذلك فهو لا يظلم أحدا مقدار فتيل: ولا يظلمون فتيلا (1).
وفي الحقيقة أن الفضيلة هي ما يعتبرها الله سبحانه فضيلة لا ما يدعيه الإشخاص لأنفسهم انطلاقا من أنانيتهم، فيظلمون بذلك أنفسهم وغيرهم.
إن هذا الخطاب وإن كان موجها إلى اليهود والنصارى الذين يدعون لأنفسهم بعض الفضائل دونما دليل، ويعتبرون أنفسهم شعوبا مختارة فيقولون أحيانا:
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة (2) ويقولون تارة أخرى: نحن أبناء الله وأحباؤه (3) إلا أن مفهومه لا يختص بقوم دون قوم، وجماعة دون جماعة، بل يشمل كل الأشخاص أو الأمم المصابة بمثل هذا المرض الوبي، وهذه الصفة الذميمة.
إن القرآن يخاطب جميع المسلمين في (سورة النجم - الآية 32) فيقول:
فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى.
إن مصدر هذا العمل هو الإعجاب بالنفس والغرور، والعجب الذي يتجلى شيئا فشيئا في صورة امتداح الذات وتزكية النفس، بينما ينتهي في نهاية المطاف إلى التكبر والاستعلاء على الآخرين.