تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج ٢ - الصفحة ١٢٩
والعرب، فان أك صادقا فأنتم أعلى بي عينا، وان أك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب (1) أمري فارجعوا فقال عتبة: والله ما أفلح قوم قط ردوا هذا، ثم ركب جملا له أحمر فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله يجول في العسكر وينهى عن القتال فقال: ان يك عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر ان يطيعوه يرشدوا فأقبل عتبة يقول: يا معشر قريش اجتمعوا واسمعوا ثم خطبهم فقال: يمن مع رحب ورحب مع يمن يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر، وارجعوا إلى مكة واشربوا الخمور وعانقوا الحور فان محمدا له إل وذمة وهو ابن عمكم، فارجعوا فلا تردوا رأيي، وانما تطالبون محمدا بالعير التي أخذها بنخلة ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعلي عقله، فلما سمع أبو جهل ذلك غاظه وقال: ان عتبة أطول الناس لسانا وأبلغهم في الكلام، ولئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريش آخر الدهر ثم قال: يا عتبة نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب وجبنت وانتفخ سحرك، وتأمر الناس بالرجوع وقد رأينا آثارنا بأعيننا، فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل وكان على فرس وأخذ بشعره فقال الناس: يقتله فعرقب فرسه (2) فقال: أمثلي يجبن؟ وستعلم قريش اليوم أينا ألام وأجبن، وأينا المفسد لقومه لا يمشي الا أنا وأنت إلى الموت عيانا، ثم قال:
هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه (3)

(1) ذؤبان جمع الذئب.
(2) عرقبه: قطع عرقوبه، والعرقوب: عصب غليظ فوق عقب الانسان ومن الدابة في رجلها.
(3) الجني: المجني، وأول من تكلم بهذا المثل عمرو بن عدي بن أخت جذيمة، وذلك أن جذيمة خرج مبتديا بأهله وولده في سنة مكلئة وضربت ابنيته في زهر وروضة فأقبل ولده يجتنون الكماة، فإذا أصاب بعضهم كماة جيدة أكلها، وإذا أصابها عمرو خبأها في حجزته فأقبلوا يتعادون إلى جذيمة وعمرو يقول وهو صغير: " هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه " فضمه جذيمة إليه والتزمه وسر بقوله وفعله وأمر ان يصاغ له طوق فكان أول عربي طوق، وكان يقال له عمرو ذو الطوق، وهو الذي قبل فيه المثل المشهور " كبر عمرو عن الطوق " وتقدير المثل: هذا ما اجتنيته ولم آخذ لنفسي خير ما فيه إذ كل جان يده مائلة إلى فيه يأكله، هذا وقد تمثل أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الشعر كما رواه العامة بعد ما كان يفرق بيت المال على مستحقة ويقول: يا صفراء غري غيري ويا بيضاء غري غيري، ذكره الأربلي (ره) في كشف الغمة وغيره في غيره.
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»
الفهرست