أختلف في الروح المسؤول عنه على أقوال أحدها: إنهم سألوه عن الروح الذي هو في بدن الانسان ما هو، ولم يجبهم. وسأله عن ذلك قوم من اليهود، عن ابن مسعود، وابن عباس، وجماعة، واختاره الجبائي. وعلى هذا فإنما عدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جوابهم، لعلمه بأن ذلك أدعى لهم إلى الصلاح في الدين، ولأنهم كانوا بسؤالهم متعنتين لا مستفيدين، فلو صدر الجواب لازدادوا عنادا. وقد قيل: إن اليهود قالت لكفار قريش: سلوا محمدا عن الروح، فإن أجابكم فليس بنبي، وإن لم يجبكم، فهو نبي، فإنا نجد في كتبنا ذلك. فأمر الله سبحانه بالعدول عن جوابهم، وأن يكلهم في معرفة الروح إلى ما في عقولهم، ليكون ذلك علما على صدقه، ودلالة لنبوته وثانيها: إنهم سألوا عن الروح أهي مخلوقة محدثة، أم ليست كذلك، فقال سبحانه: * (قل الروح من أمر ربي) * أي: من فعله وخلقه، وكان هذا جوابا لهم عما سألوه عنه بعينه. وعلى هذا فيجوز أن يكون الروح الذي سألوا عنه هو الذي به قوام الجسد، على قول ابن عباس، وغيره. أم جبرائيل عليه السلام على قول الحسن، و قتادة. أم ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، يسبح الله بجميع ذلك على ما روي عن علي عليه السلام. أم عيسى عليه السلام فإنه قد سمي بالروح وثالثها: إن المشركين سألوه عن الروح الذي هو القرآن، كيف يلقاك به الملك، أو كيف صار معجزا، وكيف صار نظمه وترتيبه مخالفا لأنواع كلامنا من الخطب والأشعار. وقد سمى الله تعالى القرآن روحا في قوله * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) * فقال سبحانه: قل يا محمد إن الروح الذي هو القرآن من أمر ربي، أنزله دلالة علي، دلالة نبوتي، وليس من فعل المخلوقين، ولا مما يدخل في إمكانهم، وعلى هذا فقد وقع الجواب أيضا موقعه. وأما على القول الأول فيكون معنى قوله * (الروح من أمر ربي) *: هو من الأمر الذي يعلمه ربي، ولم يطلع عليه أحد.
واختلف العلماء في ماهية الروح، فقيل: إنه جسم رقيق هوائي، متردد في مخارق الحيوان، وهو مذهب أكثر المتكلمين، واختاره الأجل المرتضى، علم الهدى، قدس الله روحه. وقيل: جسم هوائي على بنية حيوانية في كل جزء منه حياة، عن علي بن عيسى قال: فلكل حيوان روح وبدن، إلا أن منه من الأغلب عليه الروح، ومنه من الأغلب عليه البدن. وقيل: إن الروح عرض. ثم اختلف فيه فقيل: هو الحياة التي يتهيأ به المحل لوجود القدرة والعلم والاختيار، وهو مذهب