ظاهر في اللفظ للاستغناء عنه بما في الكلام من الدلالة عليه، ونظيره قوله سبحانه * (حتى إذ جاؤوها وفتحت أبوابها) * إلى قوله * (ونعم أجر العاملين) * فلم يأت لإذا جواب في طول الكلام، للاستغناء عنه بما في الكلام من الدلالة. ومما يشهد بصحة ذلك قول الهذلي:
حتى إذا سلكوهم في قتائدة * شلا كما تطرد الجمالة الشردا (1) فحذف جواب إذا لأن هذا البيت آخر القصيدة وثالثها: إن الآية محمولة على التقديم والتأخير، وتقديرها إذا أمرنا مترفي قرية بالطاعة، فعصوا، أردنا إهلاكهم، ومما يمكن أن يكون شاهدا لهذا الوجه قوله * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) *. وقيام الطائفة معه، يكون قبل إقامة الصلاة، لأن إقامتها هي الإتيان بجميعها على الكمال، وكذلك قوله * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) * والطهارة إنما تجب قبل القيام إلى الصلاة ورابعها: إنه سبحانه ذكر الإرادة على وجه المجاز والاتساع، وإنما عني بها قرب الهلاك، والعلم بكونه لا محالة، كما يقال إذا أراد العليل أن يموت خلط في مأكله، ويسرع إلى ما تتوق نفسه إليه، وإذا أراد التاجر أن يفتقر أتاه الخسران من كل وجه، ومعلوم أن العليل والتاجر لم يريدا في الحقيقة شيئا، لكن لما كان من المعلوم من حال هذا الهلاك، ومن حال ذلك الخسران، حسن هذا الكلام، واستعمل ذكر الإرادة لهذا الوجه. ولكلام العرب إشارات واستعارات ومجازات لأجلها كان كلامهم في الغاية القصوى من الفصاحة. والوجه الأول عندي أصح الوجوه، وأقربها إلى الصواب، إذا تأولت الآية على الأمر الذي هو ضد النهي. إذا تأولت الآية على معنى القراءتين الأخيرتين من * (آمرنا) * بالمد و * (أمرنا) * بالتشديد، فلن يخرج على هذا الوجه، وتكون محمولة على أحد الأوجه الثلاثة الأخر.
ثم بين سبحانه ما فعله من ذلك بالقرون الخالية، فقال: * (وكم أهلكنا من القرون) * أي: من الأمم الكثيرة المكذبة * (من بعد نوح) * أي: من بعد زمان نوح إلى زمانك هذا، لأن * (كم) * تفيد التكثير، كما أن * (رب) * تفيد التقليل. والقرن مائة