أعماله، وما كتب عليه، حتى كأنه فعله تلك الساعة، فلذلك قالوا: * (يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) *. * (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * أي: محاسبا، وإنما جعله محاسبا لنفسه، لأنه إذا رأى أعماله يوم القيامة كلها مكتوبة، ورأى جزاء أعماله مكتوبا بالعدل، لم ينقص عن ثوابه شئ، ولم يزد على عقابه شئ، أذعن عند ذلك وخضع، وتضرع، واعترف، ولم يتهيأ له حجة ولا إنكار، وظهر لأهل المحشر أنه لا يظلم. قال الحسن: يا ابن آدم! لقد أنصفك من جعلك حسيب نفسك * (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه) * أي: من اهتدى في الدنيا إلى دين الله وطاعته، فمنفعة اهتدائه راجعة إليه * (ومن ضل فإنما يضل عليها) * أي:
ومن ضل عن الدين، فضرر ضلاله راجع إلى نفسه، وعقوبة ضلاله على نفسه * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * أي: لا تحمل حاملة حمل أخرى أي: ثقل ذنوب غيرها، ولا يعاقب أحد بذنوب غيره وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: لا تحن يمينك على شمالك، وهذا مثل ضربه عليه السلام. وفي هذا دلالة واضحة على بطلان قول من يقول إن أطفال الكفار يعذبون مع آبائهم في النار.
* (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * معناه: وما كنا معذبين قوما بعذاب الاستئصال، إلا بعد الإعذار إليهم، والإنذار لهم بأبلغ الوجوه، وهو إرسال الرسل إليهم مظاهرة في العدل، وإن كان يجوز مؤاخذتهم على ما يتعلق بالعقل معجلا.
فعلى هذا التأويل تكون الآية عامة في العقليات والشرعيات. وقال الأكثرون من المفسرين وهو الأصح: إن المراد بالآية أنه لا يعذب سبحانه في الدنيا، ولا في الآخرة، إلا بعد البعثة. فتكون الآية خاصة فيما يتعلق بالسمع من الشرعيات. فأما ما كانت الحجة فيه من جهة العقل، وهو الإيمان بالله تعالى، فإنه يجوز العقاب بتركه، وإن لم يبعث الرسول عند من قال إن التكليف العقلي ينفك من التكليف السمعي.
على أن المحققين منهم يقولون: إنه وإن جاز التعذيب عليه قبل بعثة الرسول، فإنه سبحانه لا يفعل ذلك مبالغة في الكرم والفضل والإحسان والطول، فقد حصل من هذا أنه سبحانه لا يعاقب أحدا حتى ينفذ إليهم الرسل المنبهين إلى الحق، الهادين إلى الرشد، استظهارا في الحجة، لأنه إذا اجتمع داعي العقل، وداعي السمع، تأكد الأمر، وزال الريب، فيما يلزم العبد، وقد أخبر سبحانه في هذه الآية عن