وقال الآخر:
إن لي حاجة إليك فقالت: بين أذني، وعاتقي، ما تريد والعرب تقيم هذا العضو مقام الذات، فتقول: أعتقت رقبة، وطوقت عنقي أمانة. ولذلك قال أبو حنيفة: إذا قال الانسان عنقك، أو رقبتك حر، عتق، لأنه يعبر بذلك عن جميع البدن. ولو قال يدك أو شعرك حر لا يعتق، لأنه لا يعبر بذلك عن جميع البدن. وقال اليافعي: هما سواء يعتق في الحالين.
الاعراب: موضع * (بنفسك) *: رفع، لأنه فاعل * (كفى) *. و * (حسيبا) * نصب على التمييز له. وقال أبو بكر السراج: المعنى كفى الاكتفاء بنفسك، فالفاعل على هذا محذوف، والجار والمجرور في موضع النصب على أصله. * (حسيبا) *: نصب على الحال من * (كفى) *.
المعنى: لما قدم سبحانه ذكر الوعيد، أتبع ذلك بذكر كيفيته، فقال: * (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه) * معناه: وألزمنا كل انسان عمله من خير أو شر، في عنقه، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. يريد جعلناه كالطوق في عنقه، فلا يفارقه. وإنما قيل للعمل طائرا على عادة العرب في قولهم جرى طائره بكذا، ومثله قوله سبحانه * (قالوا طائركم معكم) * وقوله * (إنما طائرهم عند الله) * وقيل: طائره يمنه وشؤمه، عن الحسن، وهو ما يتطير منه. وقيل: طائره حظه من الخير والشر، عن أبي عبدة، والقتيبي. وخص العنق لأنه محل الطوق الذي يزين المحسن والغسل الذي يشين المسئ. وقيل: طائره كتابه. وقيل: معناه جعلنا لكل انسان دليلا من نفسه، لأن الطائر عندهم يستدل به على الأمور الكائنة، فيكون معناه: كل انسان دليل نفسه، وشاهد عليها، إن كان محسنا فطائره ميمون، وإن ساء فطائره مشؤوم.
* (ونخرج له يوم القيامة كتابا) * وهو ما كتبه الحفظة عليهم من أعمالهم * (يلقاه) * أي: يرى ذلك الكتاب * (منشورا) * أي: مفتوحا معروضا عليه ليقرأه، ويعلم ما فيه.
والهاء في * (له) * يجوز أن تكون عائدة إلى الانسان، ويجوز أن تكون عائدة إلى العمل * (إقرأ كتابك) * فهاهنا حذف أي: ويقال له إقرأ كتابك. قال قتادة: يقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا.
وروى جابر بن خالد بن نجيح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يذكر العبد جميع