قولك * (بربك) * للمدح، كما تقول ناهيك به رجلا، وجاد بثوبك ثوبا، وطاب بطعامك طعاما، وأكرم به رجلا، ويكون في كل ذلك في موضع رفع، كما قال الشاعر:
ويخبرني عن غائب المرء هديه * كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا (1) فرفع لما أسقط الباء و * (يصلاها) *: في موضع نصب على الحال. * (لمن نريد) * بدل من قوله * (عجلنا له فيها ما نشاء) * وأعاد اللام لما كان البدل في تقدير جملة أخرى كقوله * (لمن آمن منهم) *. و * (مذموما) *: حال من الضمير المستكن في * (يصلاها) *. * (كلا نمد) *: نصب * (كلا) * بنمد، وهؤلاء بدل من قوله * (كلا) * أي:
نمد كل واحد من هؤلاء، وهؤلاء.
المعنى: * (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) * لما لم يجز في العقول تقديم إرادة العذاب على المعصية، لأنه عقوبة عليها، ويستحقه لأجلها، فمتى لم توجد المعصية، لم يحسن فعل العقاب، وإذا لم يحسن فعله، لم تحسن إرادته، اختلفوا في تأويل الآية وتقديرها على وجوه (أحدها): إن معناه وإذا أردنا أن نهلك أهل قرية، بعد قيام الحجة عليهم، وإرسال الرسل إليهم، أمرنا مترفيها أي:
رؤساءها وساداتها بالطاعة، واتباع الرسل، أمرا بعد أمر، نكرره عليهم، وبينة بعد بينة، نأتيهم بها، إعذارا للعصاة، وإنذارا لهم، وتوكيدا للحجة، ففسقوا فيها بالمعاصي، وأبوا إلا تماديا في العصيان، والكفران.
* (فحق عليها القول) * أي: فوجب حينئذ عليها الوعيد * (فدمرناها تدميرا) * أي:
أهلكناها إهلاكا. وإنما خص المترفين، وهم المنعمون والرؤساء بالذكر، لأن غيرهم تبع لهم، فيكون الأمر لهم أمرا لأتباعهم. وعلى هذا فيكون قوله * (أمرنا مترفيها) * جوابا لإذا. وإليه يؤول ما روي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، أن معناه أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا، ومثله أمرتك فعصيتني. ويشهد بصحة هذا التأويل الآية المتقدمة وهي قوله * (من اهتدى) * فإنما يهتدي لنفسه إلى قوله * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) *. وثانيها: إن قوله * (أمرنا مترفيها) * من صفة القرية، وتقديره وإذا أردنا أن نهلك قرية، صفتها أنا كنا قد أمرنا مترفيها، ففسقوا فيها، فلا يكون لإذا جواب