أو أوصى بالوالدين إحسانا، ومعناهما واحد، لأن الوصية أمر * (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما) * يعني به الكبر في السن، والمعنى إن عاشا عندك أيها الانسان المخاطب حتى يكبرا، أو عاش أحدهما حتى يكبر، يريد إن بلغا في السن مبلغا يصيران بمنزلة الطفل الذي يحتاج إلى متعهد، وخص حال الكبر، وإن كان من الواجب طاعة الوالدين على كل حال، لأن الحاجة أكثر في تلك الحال إلى التعهد والخدمة. وهذا مثل قوله: * (ويكلم الناس في المهد وكهلا) * مع أن الناس كلهم يتكلمون في حال الكهولة. والوجه فيه أنه سبحانه أخبر أن عيسى يكلم الناس في المهد، وأنه يعيش حتى يكهل، ويتكلم بعد الكهولة، ونحو ذلك قوله: * (والأمر يومئذ لله) *. وإنما خص ذلك اليوم لأنه لا يملك فيه أحد سواه. وقيل: إن الكبر في الآية راجع إلى المخاطب أي: إن بلغت حال الكبر، وهو حال التكليف، وقد بقي معك أبواك أو أحدهما.
* (فلا تقل لهما أف) * وروي عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جده أبي عبد الله عليه السلام قال: لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من * (أف) * لأتى به. وفي رواية أخرى عنه قال: أدنى العقوق * (أف) *، ولو علم الله شيئا أيسر منه وأهون منه، لنهى عنه. وفي خبر آخر: فليعمل العاق ما يشاء أن يعمل، فلن يدخل الجنة. فالمعنى لا تؤذيهما بقليل ولا كثير. قال مجاهد: معناه إن بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويحدثان، فلا تتقذرهما، وأمط عنهما كما كانا يميطان عنك في حال الصغر. والمتبرم يكثر قول * (أف) *، وهي كلمة تدل على الضجر. وقيل:
إن (الأف، والتف) وسخ الأصابع إذا فتلته، عن أبي عبيدة. وقيل: هي كلمة كراهة، عن ابن عباس. وقيل: معناه النتن، وجاء في المثل: أبر من النسر، قالوا: لأن النسر إذا كبر ولم ينهض للطيران، جاء الفرخ فزقه كما كان أبواه يزقانه.
* (ولا تنهرهما) * أي: لا تزجرهما بإغلاظ وصياح. وقيل: معناه لا تمتنع من شئ أراده منك، كما قال * (وأما السائل فلا تنهر) *. * (وقل لهما قولا كريما) * أي:
وخاطبهما بقول رقيق لطيف، حسن جميل، بعيد عن اللغو والقبيح، يكون فيه كرامة لهما، ويدل على كرامة المقول له على القائل. وقيل: معناه قل لهما قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ، عن سعيد بن المسيب. * (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) * أي: وبالغ في التواضع والخضوع لهما، قولا وفعلا، برا بهما، وشفقة