بالنشأة الآخرة * (اعتدنا لهم) * أي: هيأنا لهم * (عذابا أليما) * وهو عذاب النار. وإنما سمي العذاب أجرا لأنه يستحق في مقابلة عمل، كالأجرة التي تجب في مقابلة عمل، يعود نفعه إلى المستأجر. والثواب يستحق على الله تعالى، وإن كان نفعه يعود إلى العامل، لأنه سبحانه أوجب ذلك على نفسه في مقابلة عمل العد، فضلا منه وكرما.
* (ويدعو الانسان بالشر دعاءه بالخير) * قيل في معناه أقوال أحدها: إن الانسان ربما يدعو في حال الزجر والغضب على نفسه، وأهله، وماله، بما لا يحب أن يستجاب له فيه، كما يدعو لنفسه بالخير. فلو أجاب الله دعاءه لأهلكه، لكنه لا يجيب بفضله ورحمته، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة والآخر: إن معناه أن الانسان قد يطلب الشر لاستعجاله المنفعة وثالثها: إن معناه: ويدعو في طلب المحظور، كدعائه في طلب المباح.
* (وكان الانسان عجولا) * يعجل بالدعاء في الشر، عجلته بالدعاء في الخير، عن مجاهد. وقيل: يريد ضجرا لا صبرا له على ضراء، ولا على سراء، عن ابن عباس. وروي عنه أيضا أنه أراد به آدم عليه السلام، لما انتهت النفخة إلى سرته، أراد أن ينهض، فلم يقدر، فشبه الله سبحانه ابن آدم بأبيه في الاستعجال، وطلب الشئ، قبل وقته * (وجعلنا الليل والنهار آيتين) * أي: دلالتين يدلان على وحدانية خالقهما، لما في كل واحد منهما من الفوائد، من الكسب بالنهار، والاستراحة بالليل، والزيادة في أجزاء أحدهما بالنقصان من أجزاء الآخر، ولأن كل واحد منهما ينقضي لمجئ الآخر، وذلك يدل على حدوثهما، إذ القديم لا يجوز عليه الانقضاء، وعلى أن لهما محدثا قادرا عالما، وقد علمنا ضرورة أن أحدا من البشر لم يحدثهما، لعجز البشر عن ذلك، فدل على أنه من صنع القديم القادر لذاته، العالم لذاته، الذي ليس كمثله شئ، ولا يتعذر عليه شئ. وقيل: إن الآيتين هنا الشمس والقمر.
* (فمحونا آية الليل) * وهي القمر أي: طمسنا نورها بما جعلنا فيها من السواد، عن ابن عباس * (وجعلنا آية النهار) * يعني الشمس * (مبصرة) * أي: نيرة مضيئة للأبصار، يبصر أهل النهار النهار بها. وقيل: إن معناه جعلنا آية الليل ممحوة، والمراد جعلنا الليل مظلما، لا يبصر فيه، كما لا يبصر ما يمحى من الكتاب، وجعلنا آية النهار مبصرة أي: جعلنا النهار مضيئا، يبصر فيه، وتدرك الأشياء فيه.