بعثناهم ليسوءوا وجوهكم، فحذف بعثناهم، لأن ذكره قد تقدم، والحجة في * (ليسوؤوا) * أنه أشبه بما قبله وما بعده، ألا ترى أن قبله: ثم بعثناهم، وبعده:
ليدخلوا المسجد الحرام، والمبعوثون في الحقيقة هم الذين يسوؤونهم بقتلهم إياهم، وأسرهم لهم، فهو وفق المعنى. وقال * (وجوهكم) *، على أن الوجوه مفعول به * (ليسوء) * وعدي إلى الوجوه، لأن الوجوه قد يراد به ذو الوجوه، كقوله * (كل شئ هالك إلا وجهه) * وقوله * (وجوه يومئذ ناضرة) * و * (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة) *، وقال النابغة:
أقارع عوف، لا أحاول غيرها، وجوه قرود تبتغي من تجادع (1) وأما قراءة أبي: * (ليسوءا) * فالوجه فيه على قول ابن جني، أن يكون على حذف الفاء كما يقال إذ سألتني فلأعطك، كأنك تأمر نفسك، ومعناه فلأعطينك.
واللامان بعده للأمر أيضا، وهما وليدخلوا المسجد، وليتبروا، ويقوي ذلك أنه لم يأت لإذا جواب فيما بعد. وأما من قرأ * (لتفسدن) * و * (لتفسدن) * فإحدى القراءتين شاهدة للأخرى، لأن من أفسد فقد فسد. وأما * (حاسوا) * فمعناه معنى جلسوا بعينه.
اللغة: القضاء: فصل الأمر على إحكام، ومنه سمي القاضي. ثم يستعمل بمعنى الخلق والإحداث، كما قال * (فقضاهن سبع سماوات) *. وبمعنى الإيجاب كما قال: * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) *. وبمعنى الإعلام والإخبار بما يكون من الأمر. وهو المعني هاهنا، وأصله الإحكام. والعلو الارتفاع. وعلا فلان الشئ:
إذا أطاقه، ويقال: علا في المكارم يعلى علا، فهو علي. وعلا في المكان يعلو علوا فهو عال. والجوس: التخلل في الديار، يقال: تركت فلانا يجوس بني فلان، ويجوسهم ويدوسهم أي: يطأهم. قال أبو عبيد: كل موضع خالطته ووطئته فقد حسته وجسته. قال حسان:
ومنا الذي لاقى بسيف محمد فجاس به الأعداء عرض العساكر (2) وقيل: الجوس طلب الشئ باستقصاء. والكرة: معناه الرجعة، والدولة.
والنفير: العدد من الرجال، قال الزجاج: ويجوز أن يكون جمع نفر، كما قيل العبيد