عقبه سبحانه بالأمر بالوفاء بالعهد، والنهي عن نقض الإيمان، فقال: * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) * قال ابن عباس: الوعد من العهد، وقال المفسرون: العهد الذي يجب الوفاء به. والوعد هو الذي يحسن فعله، وعاهد الله ليفعلنه، فإنه يصير واجبا عليه. * (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) *: هذا نهي منه سبحانه عن نكث الأيمان، وهو أن ينقضها بمخالفة موجبها، وارتكاب ما يخالف عقدها. وقوله * (بعد توكيدها) * أي: بعد عقدها، وإبرامها، وتوثيقها، باسم الله تعالى. وقيل: بعد تشديدها وتغليظها بالعزم والعقد على اليمين، بخلاف لغو اليمين، عن أبي مسلم.
* (وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) * أي: حسيبا فيما عاهدتموه عليه، وقيل:
كفيلا بالوفاء، وذلك أن من حلف بالله فكأنه أكفل الله بالوفاء بما حلف. وقيل: إنه قولهم الله علي كفيل، أو وكيل. وقيل: أراد به أن الكفيل بالشئ يكون حفيظا له، والإنسان إنما يؤكد الأمر على نفسه بذكر اسم الله تعالى على جهة اليمين، ليحفظ سبحانه ذلك الأمر * (إن الله يعلم ما تفعلون) * من نقض العهد والوفاء به، فإياكم أن تلقوه، وقد نقضتم.
وهذه الآية نزلت في الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الاسلام، فقال سبحانه للمسلمين الذين بايعوه: لا يحملنكم قلة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة، فإن الله حافظكم أي: اثبتوا على ما عاهدتم عليه الرسول، وأكدتموه بالأيمان. وقيل: نزلت في قوم خالفوا قوما، فجاءهم قوم، وقالوا: نحن أكثر منهم، وأعز، وأقوى، فانقضوا ذلك العهد، وحالفونا.
* (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة) * أي: لا تكونوا كالامرأة التي غزلت، ثم نقضت غزلها من بعد إمرار وفتل للغزل، وهي امرأة حمقاء من قريش، كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن، ولا يزال ذلك دأبها، واسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة، وكانت تسمى خرقاء مكة، عن الكلبي. وقيل: إنه مثل ضربه الله تعالى، شبه فيه حال ناقض العهد، بمن كان كذلك * (أنكاثا) * جمع نكث: وهو الغزل من الصوف والشعر، يبرم، ثم ينكث، وينقض، ليغزل ثانية * (تتخذون أيمانكم دخلا بينكم) * أي: دخلا وخيانة ومكرا، وذلك أنهم كانوا يخلفون في عهودهم، ويضمرون الخيانة. وكان الناس يسكنون إلى عهدهم، ثم ينقضون العهد، فقد اتخذوا أيمانهم